| 66
خاتمة تُُعد المدرســة البريطانية في الدراســات الاســتخباراتية نموذج ًًا متقدمًًا لتحول حقل ظل لعقود محاطًًا بالسرية إلى مجال أكاديمي مشروع يخضع لقواعد البحث العلمي وآليات المســاءلة. فقد انتقل هذا الحقل تدريجيًًّا من فضاء مغلق داخل أجهزة مثل ، إلى حقل معرفي قائم تُُدرََّس مواده في جامعات عريقة مثل GCHQ و MI6 و MI5 كينغــز كوليدج وجامعة باكينغهام. وقد أســهم هذا التحــول في إغناء الفهم العلمي لطبيعة الدور الذي تضطلع به الاستخبارات في الأمن القومي وصنع القرار، لاسيما سبتمبر/أيلول 11 في ضوء التحولات الدولية الكبرى مثل الحرب الباردة وهجمات والحرب على الإرهاب. لكــن هــذا الانفتاح لــم يخل من إشــكاليات جوهرية، أبرزها تحــدي التوفيق بين مقتضيات الســرية ومقتضيات الدراســة النقدية. فمن جهة، أتاح التعاون المؤسسي بين الأجهزة الأمنية وبعض الجامعات والمراكز البحثية إنتاج معارف تحليلية معمقة حول طبيعة عمل أجهزة الاستخبارات، وأسهم في بلورة فهم مؤسساتي لدورها في مواجهة التهديدات الحديثة، بما في ذلك التطرف العنيف، والتجســس الإلكتروني، والتدخلات الخارجية. فقد ظهرت، من جهة أخرى، انتقادات مشــروعة حول مدى اســتقلالية هذه الدراســات، خاصة مع بروز تيار أكاديمي يُُعرف بتقاربه من الأجهزة الاســتخباراتية، ويُُتهم أحيانًًا بتبني خطاب يُُعظ ِِّم أدوارها ويُُبرر تجاوزاتها؛ مما يثير تساؤلات حول مدى حيادية التحليل العلمي في هذا المجال. وقــد أظهــرت التجربة البريطانية أن انبثاق هذا الحقل الأكاديمي لم يكن نتيجة قرار مركزي أو تطور مؤسســي واضح، بل جاء نتيجة تراكم تدريجي أسهم فيه مؤرخون ا عن رســميون، وكتََّاب مختصون في التاريخ العســكري، ومخبرون ســابقون، فضلًا التســريبات والأرشــيفات التي أُُتيحت بفعل قوانين رفع الســرية أو عبر أرشــيفات الخصوم. وهكذا تشكلت شبكة معرفية متعددة المصادر، دفعت بالبحث الاستخباراتي إلى واجهة التحليل السياسي والتاريخي المعاصر. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال التســاؤلات قائمة حول حدود هذا الانفتاح، ومدى قدرته على إنتاج معرفة حقيقية لا تخضع لمنطق التبرير أو التوظيف السياســي. كما
Made with FlippingBook Online newsletter