73 |
أولا: الإطار النظري للدراسة مقدمة
ا ًا تتناول هذه الدراسة أهمية العلاقة بين النظام السياسي وثقافة المجتمع بوصفها عامل حاســمًًا في تحقيق الاســتقرار. ففهم هذه العلاقة يُُعد ركيزة أساســية في بناء أنظمة سياسية فعََّالة وقادرة على الصمود. وفي ظل ما يشهده العديد من الدول العربية من اضطرابات مزمنة منذ انطلاق الثورات العربية خلال العقد الماضي، وما صاحبها من انهيار لبعض الأنظمة وتزايد حالات التوتر وعدم الاستقرار، تبرز الحاجة الماس ََّة إلى دراسات تُُسلِِّط الضوء على أسس بناء النظام السياسي، انطلاقًًا من واقع المجتمعات العربية وخصوصياتها الثقافية. وتأتي هذه الدراســة في هذا السياق، ساعية إلى إبراز الدور المحوري للثقافة السياسية في تأسيس أنظمة حكم قابلة للاستمرار. تنطلق الدراســة من مســلََّمة مفادها أن غالبية الأنظمة السياســية في العالم العربي، ولاســيما تلك التي انهارت أو تواجه أزمات حادة، قد نشــأت متأثرة بأيديولوجيات ورؤى فكرية وافدة من الشرق أو الغرب، عقب انتهاء الحقبة الاستعمارية المباشرة، ، 1916 وهــي مرحلة تميزت بتقســيم المنطقة بموجب اتفاقية ســايكس-بيكو، عام التــي شــك ََّلت، في أحد أبعادها، محاولة لإضفاء طابــع قانوني على واقع الاحتلال وتقنينه. وعلى الرغم من تأسيس هذه الأنظمة على جملة من الهياكل والمرتكزات، إلا أنهــا ظلــت في كثير من الأحيان منبتََّة عن الثقافة السياســية المحلية؛ ما أســهم في هشاشــتها المزمنة وفقدانها للقدرة على احتواء الأزمات والتعامل مع التحولات والصدمات السياســية التي شــهدتها المنطقة خلال العقدين الأخيرين. ومن هنا تنبع أهمية هذه الدراســة، كونها تســعى إلى تحليل العلاقة الجوهرية بين النظام السياسي ا رئيسًًا لفهم أسباب استقرار النظام أو انهياره. وثقافة المجتمع، بوصفها مدخلًا إن السعي نحو بناء نظام سياسي مستقر ينبغي أن يُُدرج في مقدمة أولويات المرحلة الانتقالية في الدول الخارجة من الأزمات؛ إذ إن إقامة أنظمة سياســية لا تســتند إلى أســس متجذرة في ثقافة المجتمع المحلي تُُنذر بإعادة إنتاج الصراع وظهور دورات جديدة من العنف. فالعديد من الدول التي تجاهلت البُُعد الثقافي في تأسيس أنظمتها السياسية شهدت رفض ًًا شعبيًًّا لتلك النظم؛ ما دفع السلطات إلى اللجوء إلى أدوات
Made with FlippingBook Online newsletter