91 |
ومن هنا ندرك أن اســتقرار المجتمع، في أي صورة كان، يُُمثِِّل شــرط ًًا بنيويًًّا لوجود بيئة ثقافية تُُمك ِِّن من تكوين النظام السياسي وتطويره. ويُُستنتج من ذلك أن الاستقرار السياســي يتحقق حين يوجد توازن بين النظام السياســي وبيئته الاجتماعية، وعلى رأس مكوناتها الثقافة السياســية، شريطة أن يعكس النظام القيم الثقافية والاجتماعية .) 52 الأساسية للمجتمع( وبذلك، تُُصبح الثقافة السياسية هي مجموعة الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تُُضفي على العملية السياســية معنى ومشروعية، وتوفِِّر القواعد المستقرة التي تحكم سلوك الأفراد داخل النظام السياسي. وهي، بذلك، تُُحدد الإطار العام الذي تحدث فيه التصرفات السياســية، وتُُعبِّّر عن المُُثل والمعايير السياســية التي يلتزم بها أعضاء ). وتعد هذه القيم والمعتقــدات، في جوهرها، 53 المجتمــع، حك ََّامًًا ومحكوميــن( مســتمدة من ثقافة المجتمع نفســه. أما الشرعية، فهي الجســر الذي يربط بين هذه القيم والسلطة السياسية، التي تنشئ النظام السياسي وتديره على أساس تلك الثقافة، .) 54 إدراكًًا منها أن هذا هو السبيل لتحقيق الاستقرار( خاتمة توصلت هذه الدراســة إلى أن الثقافة السياســية تعد عنصرًًا حاســمًًا في بناء النظام السياســي واستقراره؛ إذ كشــفت أن الشرعية تُُشك ِِّل عامل الربط الأساسي بين ثقافة المجتمع والنظام السياســي. فالشــرعية، التي تنبع من رضا المجتمع وقبوله بالنظام السياسي، تُُسهم في تعزيز الاستقرار من خلال دعم الطاعة الطوعية، وتنظيم التفاعل بين الحاكم والمحكوم ضمن إطار ثقافي مشترك. وقــد بينت الدراســة أن الأنظمة السياســية التــي تجاهلت الخصوصيــات الثقافية لمجتمعاتهــا، كمــا هي الحال في العديد من الدول العربية التي نشــأت بعد مرحلة الاســتعمار، غالبًًا ما واجهت أزمات متكررة وفشــلت في تحقيق الاســتقرار، نتيجة افتقارها للشــرعية المجتمعية. فالشرعية، بوصفها تعبيرًًا عن رضا الشعب عن النظام السياســي وطاعته له، لا يمكن فصلها عن الســياق الثقافي الذي تنشأ فيه. وهي، في المحصلة، نتاج لبيئة سياسية مستقرة تنبع من ثقافة المجتمع، التي تولِِّد بدورها ثقافة سياســية تعكس القيم والمعتقدات الجمعية، وتؤثر في ســلوك الأفراد والمؤسسات، وتنعكس على فاعلية النظام وقدرته على التكيف مع التحديات.
Made with FlippingBook Online newsletter