AJ 25th Book

طفلة مخيم بانتيو

الأشجار. أود أن أشير إلى أن المخيمات الداخلية التي تسمى بمناطق حماية المدنيين، التابعة للأمم المتحدة، عددها خمسة، وتتوزع في أربع مدن: جوبا وبور وملكال وبانتيو، بالإضافة إلى واو، وجميعها تضم ما ألف نازح بسبب الحرب. 180 يفوق ألف 111 كان مخيم منطقة بانتيو بولاية الوحدة يضم أكثر من نازح. لم تكن المعونات التي تقدمها المنظمات الإنسانية كافية لهم. شهدنا توزيع حصص غذائية تقدم كل شهر، وهي عبارة عن كيس من الذرة تتشاركه أسرتان، وأحيانا أكثر وفي الغالب لا تقل الأسرة الواحدة عن سبعة أو ثمانية أشخاص. كان التوزيع يتم ببطاقات تعطى لكل وافد جديد إلى المخيم. لفتت انتباهي، من بين الحاضرين في طوابير توزيع الحبوب، طفلة في العاشرة من عمرها تقوم بجمع التراب في أماكن توزيع المساعدات الإنسانية. كان العرق يتصبب منها، حملت لفافة قماش كبيرة مليئة بالتراب وتحركت بمشقة نحو شجرة قريبة. الكثير من النازحين كانوا يعيشون تحت تلك الأشجار، خاصة كبار السن الذين لا يقوون على بناء الأكواخ المحلية. ذهبت إلى الطفلة لأرى ماذا جمعت. ازداد حزني حين عرفت أنها تعاني من إعاقة تمنعها من الكلام. لم تستطع الإجابة على سؤالي، ولكنها فهمت قصدي. فتحت اللفافة، وكانت كمية من التراب وقليلا من حبات الذرة بدأت في تجميعها في إشارة إلى أنها تحصل على حصتها بهذه الكيفية.

طفلة مخيم بانتيو مراسل الجزيرة فيجنوب السودان | هيثم أويت

لكل من تمكن ووصل إلى داخل أسوار مقار بعثاتهم. لكن، وفي كثير من الأحيان، لم يستطيعوا أن يوقفوا مسلسل القتل بين أبناء الوطن الواحد حتى داخل مقارهم. الجوع كان العنوان الأبرز في جميع مخيمات النازحين، ومشاهد الناس وهم يصطفون في طوابير طويلة تحت أشعة الشمس التي تصل حرارتها أحيانا إلى أكثر من خمس وأربعين مائوية. من أجل الحصول على مساعدات غذائية زهيدة. كانت مشاهد الأطفال وهم يهرولون نحونا تمثل أولى حلقات الحزن. كنا نمر بأكواخ صغيرة جدا بعض منها لا يتجاوز المترين، بناها أصحابها من أعواد القش وجذوع

امتدت بسرعة الريح إلى مختلف أنحاء البلاد، وتحولت في كثير منها إلى اقتتال قبلي وعرقي. تواصلت الحرب لأكثر من خمس سنوات، وحصدت عشرات الآلاف من الأرواح وشردت ملايين النازحين واللاجئين وفق تقديرات الأمم المتحدة. ولما كان شعار الجزيرة هو الإنسان أينما كان، تحرك طاقم القناة وسط الغابات والأحراش ينقل أوضاع الناس، ويكشف حجم ما خلفته الحروب من دمار وخراب. عشرات المخيمات باتت بديلة لمنازل كانت آمنة، وصار جنود الأمم المتحدة من جنسيات العالم المختلفة يقفون في بعض تلك المخيمات يقدمون حماية محدودة

تبدأ الحروب بإطلاق رصاصة، قد تخترق جسدا أو حجرا أو بيتا أو ربما تطيش في فضاءات لا متناهية. لكن ما تخلفه تلك الحروب من كوارث إنسانية وانعكاسات اقتصادية تدفع البلاد ثمنه عقودا طويلة. جنوب السودان، الدولة الوليدة، لم تكد تفيق من آلام المخاض وترتيب البيت الجديد لساكنيه العائدين من غابات القتال، منتشين بتحقيق حلم تأسيس دولة مستقلة، حتى عاد الرفاق لتلك الغابات مرة أخرى مقاتلين هذه المرة إخوة كانوا معهم في الجبهات لأكثر من عاما. إنها شهوة السلطة. تداعيات هذه الحرب التي اندلعت في ٢١ 2013 منتصف ديسمبر عام

201

200

Made with FlippingBook Online newsletter