torath 309 - july 2025

ج ُُلََساء التراث

«الم ُُلاحقة الثقافية».. وتشكيل الوجدان في ســياق مــا ذكرتــه ســابقا يحضرنــي هنــا فريــق مــن الباحــثين الإماراتــيين اســتغرق زمنــه البــحثي والكتابــي في قضايــا التراث، ٍ ووعي لأجل ترسـيخ جذور �ٍّ محاولا تث ْْوير موضوعاتها، وعاملا بجد شــعبه في ثقافــة الــبلاد، ومســتحض ار التاريــخ الثقــافي مــن خلال «الســرد الشــفاهي»، وكان جليســا لــه بــصبر، نذكــر منهــم اليــوم السرّّد حيث نقدم قراءة في كتابه « ، ) 1( » «أحمد راشد ثاني هنا . ) 3( أجــزاء) 4 ( ، ) 2( الشــفاهي في الإمــارات» الكتــاب يمث ّّــل جهــدا بحثيــا تــمي ّّز بــه راشــد ثانــي، وهــو مــا أشــارت إليـه دائـرة الثقافـة والسـياحة في أبـوظبي عنـد تقديمهـا للكتـاب، يأتــي جهــد الرّّاحــل أحمــد راشــد ثانــي متجليّّــا في تلــك « : بقولهــا الملاحقـة الثقافيـة للمـوروث ليضـع بين أيدينـا بعضـا مـن كنوز السرد الشفاهي العميق؛ الذي كان يصوغ الوجدان الجمعي لأهــل هــذا الوطــن في زمانهــم القديــم مــن أجــل أن يعــود إليــه الأبنــاء والأحفــاد بثقــة؛ ليعرفــوا كيــف كان الأجــداد يعيشــون على هــذه الأرض، وكيــف كانــت معاناتهــم وتفكيرهــم الــذي تجــسده حكاياتــهم ومروياتــهم» ّّــز على جمــع المــوروث القــولي ٍ فقــد رك �ٍّ ولأنــه يقــدم ذلــك بــوعي الش ّّفاهي وتحقيقه وتوثيقه، واستطاع أن يجعل موسوعته التي بين أيدينا مرجعا أساسيا ًً، سواء على المستوى النظري، أو على المستوى المنهجي، إضافة إلى الكشف عن سبل البحث الميداني، فهــو يرجعنــا عــن طريــق الســرد إلى زمــن الاســتماع المــشترك

لمواجهـة الطبيعـة، والحيـاة الاجتماعيـة، والتعـبير عنهمـا، يـوم أن كان الــرُُّواة في الصحــراء هــم الصانــعين الحقيقــيين للفعــل في الحيــاة، غير م ُُبــالين بمــا فيهــا مــن متاعــب وأهــوال ومخــاوف، في تعامــل مــع المخلوقــات الأخــرى رفضــا أو قبــولا ًً، مــع شــعور دائــم بالأمان مع بعضها وخوف من أخرى، وفي الحالتين عبّّروا عنهما . في خطاباهــم الشــفاهي اليومــي الملاحقة الثقافية، تبدو حاضرة في كتاب أحمد راشد ثاني، لأن الحكايــات الشــعبية فرضــت نفســها مــن ناحيــة صناعــة أبطالهــا وتأثيرهــا في الــوعي الجــمْْعي، ومــن ثــم الاعتراف بهــا في البحــث . والدراســة زمن الضجر.. وزيارة الأفاعي ليــس مــن الســهولة بــمكان، تقديــم قــراءة منصفــة جامعــة لهــذا ذخائــر الإمــارات التي الكتــاب، الــذي اعــتبره الباحثــون مــن « من عمردولة الاتحاد، ) 4( » صدرت خلال الخمسين عاما الأولى م، وربمــا 1971 التي أعلنــت رســميا في الثانــي مــن ديســمبر عــام يكــون ليــس مــن الع ُُســر تناولــه بالقــراءة والتحليــل مــن منظــور شــمولي أيضــاًً، ومــع ذلــك فــإن مــن الضــرورة العــودة إلى الزمــن سي للكاتب «أحمد راشد ثاني»، حيث يروي الظرف المكاني � النف . والبُُعــد الزمانــي لــولادة فكــرة كتابــه هــذا عن تلك الظروف يتحدث الكاتب لقرّّائه في مقدمة كتابه - م ُُبلّّغا وم ُُرشدا وراويا - مبيّّنا خلفية مشروعه، إذ يذكر أن بدء اهتمامه

بجمع السرد الشفاهي الإماراتي يعود إلى أواخرثمانينيات القرن ضي (القــرن العشــرين) عندمــا كلّّفــه صديقــه الشــيخ أحمــد � الما بـن سـلطان القـاسمي، رئيـس دائـرة الثقافـة والإعلام بالشـارقة - . آنذاك - بتأسيس مكتبيتيْْن عامتيْْن في كلباء وخورفكان في مكتبــة خــورفكان - التي كانــت قريبــة مــن بيــت أســرته - كان ي ُُف ََه ْْرس الكتب وي ُُصنفها، أو ينتظرقارئا ناد ار - قليلا ما يأتي على تُُرِِى ما هي علاقة : حد قوله - أصيب بالضجر، وعندها تساءل الحكايـة، أي حكايـة، بالض ّّجـر؟ وفي أجـواء الضجـرتلـك ولـدت فكـرة موسـوعته هـذه، وعـن ذلـك مــع الوقــت، وفي تلــك المكتبــة التي « : يقــول أحمــد راشــد ثانــي سي أبحث � تزورها الأفاعي والظ ّّلال أكثر من القرّّاء، وجد ْْت نف

شيء آخــر غير الانتظــار، وكان مــن بين وســائلي لمداعبــة � عــن الض ّّجــر تكويــن فريــق مــن الفتيــان والفتيــات لجمــع ولــو جــزء .» ) 5( مــن التراث الأدبــي الشــعبي المغمــور لهــذه المنطقــة لـم تـأت فكرتـه تلـك للخـروج مـن الضجـر فقـط، وإنمـا للبحـث - عمليا - على كيفية المحافظة على التراث الشعبي، في وقت كانت فيه المؤسسـات الثقافية، وعدد قليل من الأفراد - كما يقول - ِيهـا مـن �ِّ يتحدثـان عـن التراث دون خطـة مدروسـة وعلميـة يتـم تبن الأفراد، أو حتى من المؤسسات، لهذا كله تعد موسوعته إجابة عملية على أنه من الممكن الاهتمام بالسرد الشفاهي الإماراتي، ًًا وعلى هذا الأساس كو ََّن فريقه البحثي من الشباب - إناثا وذكور . - وكان له ما أراد

69

68

2025 يوليو 309 / العدد

قراءة في كتاب «أحمد راشد ثاني»: «الس ََّرد الش ّّفاهي في الإمارات».. وع ْْي بالم ُُم ْْكنات التأويليّّة والإبداعيََّة

Made with FlippingBook Annual report maker