سرد الذاكرة
في صحبة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: قنص بالبصيرة لا بالصقر
خليل عيلبوني سى، تظـل رحـلتي الأولى في القنـص � مـن بين التجـارب التي لا تُُن برفقـة - رحمـه الله تعـالى - المغفـور لـه الشـيخ زايـد بـن سـلطان آل نهيـان - طيّّــب الله ثـراه - هي الأعمـق أثـ ار والأقـرب إلى قـلبي. كانــت تجربــة اســتثنائية، امتــدت خمســة عشــر يومــا عشــت خلالهــا قــرب قائــد اســتثنائي. كنــا نلتقــي صبــاح كل يــوم في خيمــة المجلــس، حيــث ي ُُقــد ََّم الإفطــار بطابــع إماراتــي أصيــل؛ «الهريـس» كان الطبــق الأبــرز، يرافقــه الخنفــروش والبلاليــط والقرص، وغيرها من مأكولات تراثية تشهد على عمق الهوية الثقافــية لأبــناء ــهذا الوــطن كنــا نســتقبل وجبــة الإفطــار بكــثير مــن الجديــة، ونــأكل منهــا مــا فـخلال رحلات . يفـوق حاجتنـا، مـدركين أن لا غـداء في انتظارنـا القنص، يتزامن وقت الغداء مع ذروة الانشغال بالمطاردة وتتبع . الطرائــد، فلا وقــت للتوقــف ولا مكان لوجبــة منتصــف النهــار وكانت الوجبة التالية هي العشاء، التي يتولى إعدادها طباخون مهـرة رافقونـا على امتـداد سـنوات مـا بعـد السـبعينيات، مـا زلـت أذكرمنهم الأخ بدري، والأخ أحمد، بمهارتيهما وحضورهما الدافئ . سى � الــذي لا يُُن مــن المشــاهد الراسخــة في الذاكــرة خلال رحلات القنــص، تلــك الأجــواء الصباحيــة المــميزة التي تبــدأ بوصــول الشــيخ زايــد إلى مجلسه، حيث يسود المكان هدوء مهيب يقطعه صوت الإعلامي محمـد عـودة وهـو يقـرأ مختصـرات لأهـم الأخبـار، يتبعـه دخـول ثــم يعــود . مديــر المكتــب لعــرض الرســائل والقــرارات لتوقيعهــا ً منهم عن �ً الشيخ زايد ليتبادل الأحاديث مع الجلساء، يسأل كلّا
ولا . صحتــه ونشــاطه، ويقــرر معهــم وجهــة القنــص لذلــك اليــوم سى صبــاحي الأول في تلــك الأجــواء، حين التفــت إلي الشــيخ � أن «أيــن طيرك يــا خليــل؟»، : زايــد مبتســما وســألني بــشكل مفــاجئ شى � فانفجـر المجلـس بالضحـك، إذ كان الجميـع يعـرف أنني أتحـا «طيري هنــا : سي � فأجبــت مبتســما وأنــا أشير إلى رأ . حمــل الصقــر . يـا طويـل العمـر»
قنـص برحمـة وحكمة منذ صباحي الأول في رحلة القنص، أدركت المعنى العميق للبُُعد الإنساني في شخصية الشيخ زايد - رحمه الله - لم يكن الصيد عنــده رياضــة للمباهــاة أو التفاخــر، بــل تجربــة مرتبطــة بالقيــم :ًً صي دوما بعدم الإسراف في الصيد، قائلا � كان يو . والوعي البيئي «إذا أســرفنا في الصيــد، فــإن الحبــارى، ذلــك الطائــر الجميــل، . فلنكـن رحمـاء، ولتكـن القناعـة شـعارنا» ... سينقـرض ولهذا، كان من المعتاد أن يضع المشاركون في القنص حصيلتهم
الفكــر طير حقيقــي، .. «ونعــم الــطير يــا خليــل : قــال - رحمــه الله - ثم . لكنه بحاجة إلى تدريب، تماما كالصقر؛ كي يصيد النجاح» ًًا أردف قـائلا إن هـذه الرحلـة فرصـة لتنقيـة الفكـر، ليصبـح قـادر كان الشيخ زايد - رحمه الله تعالى . على اقتناص الأفكار المبدعة - مثالا في التواضع والبساطة؛ يحفظ أسماء الجميع، ويُُحادثهم وقد . بود يجعل كل من يرافقه يشعربأنه لا فرق بينه وبين غيره «أهم ما تحققه هذه الرحلة : قال ذات مرة عن رحلات القنص . هــو إشــاعة روح المســاواة بين الجميــع، بين الرئيــس والمــرؤوس»
73
72
2025 يوليو 309 / العدد
في صحبة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: قنص بالبصيرة لا بالصقر
Made with FlippingBook Annual report maker