torath 309 - july 2025

مواسم القيظ

تبرز أهميــة هــذه الرحلــة في المخيــال الشــعبي الجــمعي، في ذلــك الحــدث الجــمعي التي تنتقــل فيــه العــائلات الإماراتيــة على ظهــور الإبــل، هربــا مــن لهيــب الســاحل إلى ظلال النخيــل في الوديــان، حيث نسـائم الجبال وبيوت السـعف التي تنتظرهم كل صيف، . ) 1 ( ًًفي طقـس سـنوي يعيـد تشـكيل العلاقـة بين الإنسـان والمكان القيظ بوصفه نسقا ثقافيا قد لا يجد إنسان اليوم لذة وعناء تلك الرحلة كما كان يمارسها الأباء والأجداد، نظ ار للتدفق الهائل لوسائل المواصلات المريحة وغيرهــا، فقــد كان لذلــك الارتحــال قديمــا وحتى وقــت قريــب الأهميــة الكــبيرة، فهــو عــادة موســمية اعتــاد عليــه الــسكان منــذ مئات السنين، حيث ينتقل الناس من المناطق الساحلية الحارة إلى المناطق الجبلية الأكثراعتدالا خلال فصل الصيف/القيظ، مثـل جبـال الـعين، ورؤوس الجبـال في رأس الخيمـة، ومرتفعـات الشــارقة والفــجيرة، وهي أهــم الوجهــات المفضلــة، ويبــدو تفاعــل الإنسـان واضحـا وحيويـا في نسـقه الثقـافي مـع التغـيير والتجديـد والبحـث عـن البيئـة المتجـددة، مـع وجـود جوانـب أخـرى بالطبـع وتبدو جوانب ثقافية مهمة في ارتباط العلاقات بين . اقتصادية الأجيـال وتوثيقهـا، مـا بين جيـل الآبـاء والأجـداد وجيـل والشـباب والأبناء، فتأخذ نمطا حواريا تربويا ًً، حيث يقص الكبارقصص المقيــظ القديمــة، فتتــشكل صــورة التربيــة الوجدانيــة والمعرفيــة مثلت رحلات القيظ نظاما . على نحو لا توفره المدرسة النظامية اجتماعيا واقتصاديا متكاملاًً، يشمل علاقات التبادل بين البدو

والحضـر، وتنظيـم المـوارد، وإعـادة تشـكيل العلاقـات الإنسـانية مــع الهويــة الاجتماعيــة والثقافيــة والاســتجابة الحضاريــة وفي الجانــب الأدبــي تــغن ّّى الشــاعر الإماراتــي . للتحديــات البيئيــة في قصائـده بهـذه الـرحلات ذات الذكريـات الجميلـة، والعذابـات المضنيــة، إذ يظهــر المقيــظ كحالــة وجوديــة يعيــش فيهــا البــدوي . بين معاني الفقد والرجاء، الرحيل والانتماء، الفصول والحنين في هــذه الأبيــات، تقــول الشــاعرة عفــراء المــزروعي عــن المقيــظ، مسـتدعية الإرث البصـري والسـمعي الـذي شكّّلتـه تلـك الـرحلات الموسمية، حيث تتحوّّل الجغرافيا إلى شعور، والطبيعة إلى لغة : ) 2 ( حـنين تقـول ََــــــــــــــــــــــب على الكيــــــــــــــف قيــــــــــــــــــــــــــــــــــــظ الجزيــــــــــــــــــــــــرة ه عســـــــــــــــــــــــــــى يشلنــــــــــــــــــــــــا عالــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي الشــــــــــــــــــــــــأن

مروان محمد الفلاسي في صيـف الإمـارات، حين تُُلهـب الرمـال أقـدام العابريـن وتصبـح المـدن واحـات مشـتعلة بالأجـواء السـاخنة، يولـد طقـس وجـودي قديــم اســمه «المقيــظ»، أو «القيــظ»، هــو مصــطلح يــشير إلى فصــل الصيــف الحــار في منطقــة الخليــج العربــي، حيــث يرحــل ٍ آخرللحياة. هذه الرحلات، كانت ت ُُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والمكان والزمان �ٍّ الإنسان من ساحل إلى جبل بحثا عن ظل والطبيعــة، إذ تكمــن في بعــده الأنثروبولــوجي الممارســة الثقافيــة، والنظــام الاجتمــاعي، حيــث رحلــة المقيــظ ينطــوي نظامهــا على رمزــية الانتــماء والتــغيير ًًا شك ّّلت رحلات المقيظ من السواحل إلى المناطق الداخلية ظاهرة ثقافية متجذ ّّرة، تجس ّّدت في الفلكلورالشعبي الإماراتي، وتركت أثر عميقا ًً، وما زال كبارالسن يحتفظون في ذاكرتهم بتفاصيل تلك الرحلات، سواء حين كانت قوافل الإبل تقطع الصحراء، أو عندما . ضي - بأداء هذا الدور � بدأت سيارات الدفع الرباعي - التي جلبها الإنجليزوشركات النفط في الستينيات والسبعينيات من القرن الما : في صيف الإمارات رحلات القيظ قراءة في المعنى والهوية

77

76

2025 يوليو 309 / العدد

رحلات القيظ في صيف الإمارات: قراءة في المعنى والهوية

Made with FlippingBook Annual report maker