كتاب غرب المتوسط

من خطاب التهديد إلى الحوار والتعاون في مجال األمن اإلقليمي قبل أن نحاول تحليل واقع التهديدات في المتوســط، يجدر بنا أن نطرق الذ ساد أوائل التسعينيات من القرن " التهديد القادم من الجنوب " أوًلا خطاب العشرين، والتطور الملحوظ في العالقات بين الضفّتين. تخبرنا سوســيولوجيا الصراعات أن المجموعــة التي لم تعد تواجه عدوًا تشــرع في البحــث عن آخر. وليس مهمًا ما إذا كانــت التهديدات التي تجر اإلحالــة إليهــا حقيقية أو خيالية، بل المهم هو العثــور على مجموعة خارجية وتعيينها عدوًا تجب مواجهتُه؛ فتتحقق بذلك الوظيفة المنوطة بترسيخ تماسكها الداخلي الخاص. وهذا التهديد الذ يتحدد ويتعيّن ســيجر حشــده للمطالبة . أشــار لويس كوزر قبل أكثر من نصف قرن إلى ذلك ((( بالوحدة وبالموارد... إن اختفاء العدو األصلي يؤد إلى البحث عن أعداء جدد حتى تواصل " بقوله المجموعــة انخراطهــا في صراع تحافظ به على البنية التي قد تفقدها في غياب . ((( " أعداء تواجههم لُحظ هذا النمط في منطقة المتوســط، التي شهدت في الفترة التي أعقبت التهديد " الحرب الباردة مباشرة، مناخًا أمنيًا ساد فيه خطاب (غربي) يتحدث عن محرومًا " . وقد برز هذا الحديث بعد أن وجد الغرب نفسه " القادم من الجنوب . ويلحظ فريديريك راميل ((( إثر اختفاء التهديد االستراتيجي السوفياتي " من العدو عالم " أن هذا األخير عُد تهديدًا أيديولوجيًا وعســكريًا، وأن تفككه أفضى إلى ومنتشــر، يتخذ أشكا ًلا مختلفة " يســوده الاليقين حيث العدو غير مرئي ومجرّد في سياق دولي شهد انتشارًا – ومتنوعة بتنوّع قضايا اإلرهاب والهجرة وغيرها للصراعــات داخل الدول. وهكــذا نُظر إلى دول الجنوب بوصفها مصدرًا لهذه (1) Dario Battistella, « Recherche ennemi désespérément : réponse à Samuel P. Huntington à propos d’un affrontement à venir entre l’Occident et l’Islam », Confluences Méditerranée, 40, 2002, p. 92. (2) Lewis A. Coser, The Functions of Social Conflict (London: Routledge, 2001 [1st ed. 1956]), p. 105. (3) Didier Bigo et Daniel Hermant, « De l’espoir à la crainte ? Les lectures de la conflictualité », Stratégique, 47, 1990, p. 297-307 ; Louis-Jean Duclos, « La ‘ menace du Sud ‘ », Cultures & Conflits, 2, 1991, p. 79-93.

123

Made with FlippingBook Online newsletter