كتاب غرب المتوسط

فإن مقاربة مركَبات األمن اإلقليمية مبنية وفقًا للنمط العالئقي صديق/عدو حتى لو مالت كفتها لفكرة العدو أكثر من الصديق. ومثلما أشرنا في الفصلَين األولَين من هذا الكتاب، ينظر بوزان وزمالؤه في مدرسة كوبنهاغن إلى المركَبات على أنهــا تنتج من التفاعالت بين دولهــا األعضاء، لكنهما يختزالن هذه التفاعالت إلى بعدَين فقط هما الصديق/العدو. ويبدو أن تحليالتهما تســير في خط كارل عالمًا خال من التمييز " شـ ّكِال للسياســة، ويقول إن �ُ شــميت الذ يعد العدو م . لكن مثل هذا التحليل ال ينطبق ال ((( " بين صديق وعدو [هو] عالم بال سياسة علــى الجماعات األمنية وال على الفضاءات األخرى التي ال تقوم فيها الروابط السياســية كليًا على التمييز بين الصديق/العدو. ونعثر على هذا المنطق الثنائي، المانــو ، فــي الصراعات الصفرية؛ وحتى هذه الصراعــات تنتهي، من الناحية العملية، بحلول وســطى ضمن لعبة من تنازالت متبادلة ومتكافئة إلى حد ما... يجعل هذا المنظار، القائم على ثنائية صديق/عدو، تطبيق مقاربة مركَبات األمن اإلقليمية في الكثير من األقاليم أمرا صعبا من دون إجراء تعديل مسبق عليها. في واقع األمر، تتسم هذه الدعامة (نمط الصديق/العدو) التي تشد الصرح النظــر في مركَبــات األمن اإلقليمية بأنها اختزالية، وتحجــب التعقيد والثراء الميل " . يقول بالزاك إن ((( الــذ تنطــو عليه التفاعالت الممكنة في إقليم مــا " للعالقــة صديق-عدو، والذ هو الجوهر المهيكِل للمركّب األمني، إشــكالي ال يدرك، وعلى نحو كافٍ، تعقّد العالقات " لثالثة أسباب: أولها أن هذا النمط . وثانيها أنه يتحدث عن منطق خطي يحكم " التي يقيمها كيان سياســي مع غيره العالقــات بيــن الفاعلين داخل نظام إقليمي، وهو ما قد ال يتوافق بالضرورة مع التشكيلة السائدة في المركَب األمني. أما ثالثهما فهو ال يقدم حججًا تفسر ظهور . هنا ((( مركَبــات أمن إقليمية قد تقــوم على أنماط أخرى غير نمط صديق/عدو أيضًا، يختلف الوضع الذ يميز غرب المتوسط؛ حيث يتكون مركّب األمن فيه من مجموعتَين فرعيتَين، وجنوب أوروبا فيه جزء ال يتجزأ من الجماعة األمنية (1) Schmitt, La notion de politique, op.cit., p. 73 ُيُنظر نقاشنا لهذه الفكرة النظرية في الفصل السابق. ((( (3) Balzacq, « La politique européenne de voisinage, un complexe de sécurité à géométrie variable », art.cit., p. 39.

162

Made with FlippingBook Online newsletter