كتاب غرب المتوسط

مختلفــة إحداها عن األخــرى، ينبغي إذًا عد األولى وضعًا وســيطًا بين هذين الطرفين من الطيف الممتد ما بين العداء والصداقة. في هذا المســتوى الوسيط (المنظومة األمنية)، تتبنى الدول إجراءات وقواعد لبناء الثقة واألمن بغية الخرو من التشــكيلة القائمة على انعدام الثقة المتبادل وحتى العداء (ســنطرق كل هذا حين نتناول تحليل اإلقليم الغرب متوسطي في الفصل الرابع من هذا الكتاب). وحتى يكتمل هذا التصنيف تجدر اإلشــارة إلى أن هذا األخير يفتح كوة في المقاربة القائمة على مركَبات األمن اإلقليمية، ويجعل الحدود بينها مسامية للحد الذ يمكننا أن نتصور أوضاعًا من االعتماد األمني المتبادل بين مركَبات ) من دون التشــكيك في وجودها. كما لو كان limitrophes (فرعيــة) متاخمة ( )، إذا ما à géométrie variable ( " مركَبات أمنية متغيرة الهندسة " األمر يتعلق بـ ، بحيث يمكــن للدول أن تنتمي إلى الكثير من مركَبات ((( اعتمدنــا تعبير بالزاك األمــن اإلقليمية في الوقت عينه، من دون أن تشــارك بالضرورة في القطاعات نفسها، وبالكثافة التفاعلية ذاتها. كيف نتعرف على مركَب األمن؟ يعــد االعتماد األمني المتبادل عنصرًا أساســيًا في تعييــن مركَبات األمن بين مختلف " نقاط القوة النســبية لالعتماد األمني المتبادل " اإلقليميــة، وتحليل الدول هو الذ يجعل هذا التعيين ممكنًا. طبيعة االعتماد األمني المتبادل مرهونة باألقاليم؛ فقد تكون قوية (كما هي الحال بين باكستان والهند)، أو ضعيفة نسبيًا (كما بين إندونيســيا وأســتراليا)، إيجابية (مثل الحياد اإليجابي في حالة السويد وفنلندا)، أو سلبية (على نحو التنافس بين إيران والسعودية). وتسهل رؤية معالم الشــواغل األمنية داخل مركَب أمن إقليمي معين، عبر مراقبة الكيفية التي تحدد بها السياســة والســلوك العسكريَين للدول: فتحشد باكســتان القسم األكبر من جيشــها في مواجهة الهند، ال على حدودها مع الصين أو أفغانســتان أو إيران؛ وينشغل اليونان بعالقاته مع تركيا بصورة تفوق جيرانه اآلخرين؛ ويمثل االتحاد

(1) Balzacq, « La politique européenne de voisinage, un complexe de sécurité à géométrie variable », art.cit., p. 33.

65

Made with FlippingBook Online newsletter