| 134
مقدمة في فتحها مواجهة جديدة غير خاضعة للقواعد 19 تكمــن خصوصية جائحة كوفيد- التــي أقرّها الإنســان لتوجيه نزعاتــه الحربية والقتالية، ومنفلتة مــن قوانين الصراع التاريخية التي أَلِفَها واعتاد عليها، ومردّ ذلك عدو خفي مجهري، وسلاح فتاك غير مرئي، وساحة معركة هي الإنسان نفسه؛ أعضاؤه الحيوية وأنفاسه، وحركاته وسكناته، ، والحالة الوبائية التي صاحبت تفشيه 19 وعلاقاته وبيئته. لقد أحدث فيروس كوفيد- وســرعة انتشــاره في أغلب دول العالم، صدمة كبرى وتحوً دراماتيكيّا في بنيات السياسة والاقتصاد والمجتمع والأمن والثقافة والدين، ناهيك عن الصحة العامة التي أصبحت في مرمى استهداف الجائحة وعلى رأس قائمة أهدافها. سارعت كل الدول إلى إغلاق حدودها البرية والبحرية والجوية وإيقاف الحركة الاقتصادية والاجتماعية والإنســانية العادية والطبيعية التي اعتاد عليها الناس لعقود من الزمن، حتى تحولت إلى عقيدة للإنسان الحديث. هذه الجائحة، فإنها حفّزت بشكل غير " حسنات " وإذا كان مقبوً البحث عن بعض مسبوق التفكير الفردي والجماعي حول مختلف جوانب الجائحة وقضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وانبرى الباحثون ومراكز الدراســات والجامعات لتحويــل فضاءات التواصل الاجتماعــي لمنصات للتثاقف والتفاكر حول الموضوع، وتعددت وتنوعت مقاربات وزوايا التحليل التي سلّطت الضوء على مظاهر وتداعيات الجائحة. ونســعى من خلال هذه الدراســة إلى تقديم مقترب تحليلي يركز على رصد إحدى الذي باتت تشــكّله على حياة الناس وأيضًا " التهديد " الجائحة، وهي " صفات " أهم البنى السياســية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات وللأنظمة الحاكمة. وقد وجد إطــارًا نظريّا وتطبيقيّا ملائمًا قد يمكّن بشــكل عام من فهم " الأَمْنَنَة " الباحــث فــي التحوّل التاريخي الذي طرأ على دراســات الأوبئــة، وانتقالها من دائرة الاهتمامات الصحيــة والعلميــة البحتة، إلى دائرة التهديدات والتحديات الأمنية، وهو توجه ليس ؛ فلطالما كانت الأوبئة جزءًا 19 وليــد اليــوم أو مرتبطًا فقط بظهور جائحة كوفيــد- من تاريخ البشــرية؛ حيث عملت كقوى مزعجة أعادت تشــكيل المخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية.
Made with FlippingBook Online newsletter