| 54
مقدمة تمثّل المشــكلات الاقتصاديــة الكلية المصرية المزمنة، والمســيطرة على الخطاب الرســمي والإعلامي منذ نصف قرن على الأقل، نموذجًا لأعراض ونتائج التخلف التي تنشغل بها المعالجة الرسمية على حساب مواجهة مرض التخلف نفسه الكامن في عمق البنية الاجتماعية وجســم التاريخ الاقتصادي، وننســى أحيانًا كونها مجرد أعراض ونتائج لا يمثّل الانشــغال بها حصرًا سوى شراء للوقت، دون علاج لأصل المرض، وهو ما تحاول هذه الدراســة تناوله بتحليل الجذور الهيكلية لأبرز وجوه تلك المشكلات من ناحية، وديناميات تضافرها الداخلي امتدادًا ونتاجًا لذلك التجذر الهيكلي نفسه. وتُعد سياسة التعويم مثا ً، ونتيجة منطقية، لذلك النوع من المعالجات الظاهراتية -إن جاز التعبير- المنطلقة من التعامل مع الاختلالات المباشــرة السطحية، لا الأمراض الهيكليــة العميقــة، حيث تفترض الأطروحات الرســمية قدرة سياســة التعويم، أو بالأحرى خفض ســعر صرف العملة، على معالجة الانحراف النقدي، وإعادة ضبط ميزان التجارة، وجذب الاســتثمار الأجنبي، ومن ثم معالجة الاختلالات الخارجية والداخلية معًا باتجاه التوازن الإيجابي بضربة واحدة انطلاقًا من الافتراضات النظرية بكمال الســوق، ومرونة الجهاز الإنتاجي بحســب النموذج النيوكلاسيكي الرسمي، والأهــم بافتــراض عدم وجود اختلافات بنيوية ومواقعيــة جوهرية بين الاقتصادات المتقدمة والمتخلفة. ما بين التخلف " الحلقات/التجسدات الهيكلية الوسيطة " لهذا تركز الدراسة على فهم -كطابــع نوعي وميراث تاريخي لمجمل التشــكيل الاقتصــادي الاجتماعي- وتلك " العجز الثلاثي " الاختلالات/الانحرافــات الاقتصادية الكلية، أو ما يُســمّيه الباحث المتمثّــل في/والناتج عن فجــوات التجارة الخارجية والمالية العامة والنقد الوطني، فجوة " كثــ ث فجوات ناتجة عن العجز العيني المتأصــل هيكليّا، بفجوته الخاصة للاقتصاد الريعي التابع، ذلك الاقتصاد " الطابع غير الإنتاجي " ، في " التشغيل السلعية ضمن تقســيم العمل الدولي كوجه تقني لذلك العجز " الطرفي ســلعيّا " ذو الموقع ضمن التبعية الطرفية الخاضعة لهيمنة رأس المال " المستلب قيميًا " العيني، والموضع التجاري، كوجه اجتماعي له.
Made with FlippingBook Online newsletter