127 |
مقدمة ارتبطت التصورات اإليرانية في تحركاتها تجاه العراق وصناعة قراراتها حوله، بنمط رؤية القيادة اإليرانية لطبيعة التحوالت الجيوسياســية في منطقة الشــرق األوســط، واعتمدت في حســاباتها اإلســتراتيجية على رؤى وسياسات تتمازج فيها موروثات ثقافية وحضارية وتاريخية مشتركة مع دول اإلقليم. تنبع التوجهات اإليرانية من تخوفات جيوسياسية تفرض عليها المزيد من التحديات والمخاطــر والضغوط اإلقليميــة، خصوصًا تلك القائمة علــى هاجس تطويقها في المجــاالت المكانية في الجوار الجغرافي المباشــر والتي يشــكِّل العراق أحد أهم محاورها الحيوية. وينطلق االندفاع اإليراني نحو التمدد في الساحات الجغرافية من اعتبارات جيوسياسية ترتبــط بطموحات إيرانية إلعادة أحياء وتنشــيط دورها اإلقليمــي من خالل البوابة العراقية، وتوظيفه أداة لضمان أهدافها في ضبط إيقاع مجاالتها الحيوية في المنطقة، وتمنع خســارته لصالح أطراف إقليمية أو دولية تحمل ذات األهداف الجيوسياسية، ولذلك تحاول من خالل هواجسها اإلستراتيجية الظهور بصورة األكثر فرضًا للنفوذ في المجال العراقي في سياق تطلعاتها اإلقليمية. في هذا الســياق، قامت إيران بتنســيق تحركاتها الداخلية في العراق بالمشــاركة مع حلفائهــا من القــوى المحلية بما يتــواءم مع مقاصدها وقدراتهــا لتأمين مصالحها وأولوياتها اإلســتراتيجية، ومن بين ذلك القدرة على درء المخاطر الخارجية وزيادة فعالية الردع في مواجهة التحديات والتهديدات اإلقليمية، إلى جانب تأكيد محورتيها في كافة المعادالت اإلقليمية في الشرق األوسط. لذلك، يمثل العراق أفضلية جيوسياسية بالغة األهمية بالنسبة لألمن القومي اإليراني، ومرتكزًا لسياســاتها اإلقليمية، ومن بين مرتكزاته رفع تكلفة أي جهد تقوم به دول أخرى لمزاحمة إيران على النفوذ داخل العراق.
Made with FlippingBook Online newsletter