العدد 17 – فبراير/شباط 2023

49 |

مقدمة تشكَّل الكثير من الحدود البرية في العالم في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشــرين، نتيجــة المغامرات اإلمبريالية األوروبية، التــي بلغت ذروتها في العقدين األولين من القرن العشرين عندما تم االتفاق على حدود النظام العالمي الجديد لما ، 1919 بعد الحرب العالمية األولى، والتي أرسى مبادئها مؤتمر باريس للسالم، عام ومعه أُعيد ترتيب خرائط أوروبا وأجزاء من آسيا وإفريقيا وجزر المحيط الهادئ. وتتداخــل العوامــل التي أدت إلــى ظهور الحــدود، فمنها الجغرافــي والتاريخي والسياســي؛ ويبقى االستعمار األوروبي عام ًل رئيسيًّا في ذلك وتسبب في أن يورث الدول المســتعمَرة معضلة األزمات الحدودية نتيجة التقســيم الذي قامت به القوى االســتعمارية ألراضي البلدان المستعمَرة بشــكل عشوائي أو متعمد بشكل تعسفي، فــكان أن فرضت عليها بذلك حدودًا ال تنســجم مع حقائــق تاريخية، وهو ما كان أحد أســباب نزاعات دموية تفاوتت حدتها، وأفرزت بدورها مجموعة من الظواهر كالنزوح القســري إلى البلدان المجاورة واللجوء واالقتتال وانتشار الميليشيات على طول الحدود التي أصبح معظمها مرتعًا لألنشــطة غير القانونية واألعمال اإلجرامية كالتهريب واإلرهاب وغيرها. وبمجرد نشــوب النزاعات الحدودية وتصاعدها إلى نزاعات مســلحة، يتأثر اقتصاد وأمن الدول والمجموعات العرقية التي تمارس حياتها في الحدود المشتركة، وتظهر معهــا المطالبــات التاريخية أو الثقافية للبلدان، أو يبــرز التنافس بينها على الموارد المعدنية أو الثروات النفطية، أو مصايد األسماك، أو األراضي الخصبة، أو الوصول إلى المياه والسيطرة على منابعها. وفي هذا االتجاه تأتي هذه الدراســة إللقاء الضوء على واقع الخالفات والنزاعات الحدودية في القارة اإلفريقية، وتبيان كيف عبثت القوى االستعمارية بها، تاركة خلفها " انتهاء " البلدان اإلفريقية مُحاطة بأَســوِجَة من لهب، ولم تبذل تلك القوى حتى بعد الحقبة االســتعمارية أية مســاع مجدية لمســاعدة هذه البلدان في إيجاد حل توافقي لخالفاتها الحدودية، فتكون بذلك قد أدخلت ثاني أكبر قارة في العالم في مشكالت معقدة طويلة األمد.

Made with FlippingBook Online newsletter