العدد 17 – فبراير/شباط 2023

79 |

مقدمة أبــرزت حرب أوكرانيا األخيرة التصدعات المكتومة فــي النظام العالمي المعاصر، مُفجــرة العديد من نقاط االحتكاك ومفاصل الصدام في النظام الدولي، وقد فاقمت ضمــن مــا فاقمت من أزمة طاقة كانت قد بدأت تلتهب بأوارها تحت الرماد؛ لتضع العالم أمام مرحلة جديدة كليًّا، يرجح أن تعيد رسم العديد من السيناريوهات القائمة، وربما خرائط التحالفات والحدود نفسها مستقبًلً. وهذه األزمة ليست األولى من نوعها التي نعرفها في التاريخ الحديث، لكنها األكبر منذ أزمة ســبعينات القرن الماضي، وما يميزها عمَّا ســبقها، كما يشــير تقرير وكالة )، أنها أوســع نطاقًا من مجرد أزمة نفط وضرورة تقليل 1 ( 2022 الطاقة الدولية لعام االعتماد على وارداته، بل تشمل العديد من األبعاد، بدءًا من اتساعها لشمول المصادر األخــرى كالفحم والغــاز الطبيعي الذي أصبح محور األزمة مع دوره المتصاعد في منظومة الطاقة العالمية، وصو ًل إلى تماسها العضوي مع أبعاد ألزمات رديفة كاألمن الغذائي والتغير المناخي. وتشير التجربة التاريخية الرتباط وثيق وعميق ما بين الحروب واألزمات؛ حد صعوبة الفصل التحليلي ما بينهما أحيانًا لمعرفة أيهما يلعب الدور األساسي، وإن كان الرأي األرجــح أن الحروب مظاهر ونتائج طبيعيــة لألزمات الكبيرة الكامنة، لكنها مظاهر تعمِّق من تلك األزمات بتفرعات وتنويعات أزماتية نوعية، وما تنشغل به هذه الورقة هــو أزمة الطاقة المُعــززة بالحرب األوكرانية، بدءًا من تحليلها وفهم دوافعها ضمن ســياقها الجيوتاريخي األوسع، وانعكاســاتها على إستراتيجيات الطاقة العالمية، وما تطرحه من فرص وتحديات على المنطقة العربية وتحالف أوبك بلس؛ ولهذا الطابع العابــر للتخصصات لموضوع الورقة ما بين االقتصاد والجيوبوليتيك؛ وما يســتتبعه مــن تعدد وتقاطع بين الخطــوط النظرية والقضايا العملية؛ لن تعتمد الورقة الترتيب التقليــدي بمقدمة نظرية ثم تحليل تطبيقي، بل ســتتبنى نهجًا أقرب لتضفير النظري بالتطبيقي بطول الورقة حسب الحاجة. وهكذا، تبدأ الورقة بتحليل الســياق األشــمل لألزمة لفصل ما هو خطابي مما هو موضوعــي فيهــا؛ كونه أحد األخطاء الشــائعة، والكامنة ضمنيًّا فــي صُلب المنهج

Made with FlippingBook Online newsletter