العدد 17 – فبراير/شباط 2023

93 |

إثباتًا، كما أن الثِقل الروســي في مزيج الطاقة األوروبي يتعارض بطبيعة الحال مع منطق أمن الطاقة بما يقتضيه من تنويع وتوزيع لمصادر الطاقة عمومًا؛ ما يجعل طبيعيًّا وجود ما يشبه رغبة جماعية، لدى فريق مسيطر على األقل، في تقليص ذلك االعتماد المُفرِط على الطاقة الروسية. وحتى ما قبل الحرب، كانت روســيا تســيطر على المركز األول عالميًّا في صادرات الغاز الطبيعي، وعلى نســبة ضخمة من واردات الطاقة في دول االتحاد األوروبي، % من استهالكها من النفط، 25 % من استهالكها من الغاز الطبيعي و 40 بما يصل إلى فضــ عن حصتهــا في واردات الصين الطاقية؛ بما يجعل لهــا عمومًا تأثيرًا معتبرًا على األســعار العالمية للطاقة، بخــ ف تأثيرها على أمن طاقة تلك الدول، كما أن تأثيرها يمتد لما وراء النفط والغاز، ليشــمل الفحم واليورانيوم والعديد من المعادن % من نيكل الدرجة 20 الضروريــة حتــى للطاقة النظيفة، فهى تنتج وحدها حوالــي % من اليورانيوم القابل للتخصيب، 40 األولــى الضروري للبطاريات، وما يربو على .) 38 كما أنها ثاني منتج عالميًّا للكوبالت واأللومنيوم، والرابع عالميًّا للجرافيت( ولعــل هذا الثقل والتأثير في أســواق الطاقة بأنواعهــا وروافدها المختلفة، والحاجة لتقليصهمــا، هو ما يفســر مخالفة الناتو لكل توصيات إســتراتيجيي الغرب الكبار، )، بعدم محاولة استقطاب أوكرانيا، واالكتفاء 39 كهنري كســينجر وجون ميرشــماير( ) بين روســيا والغرب، فيبــدو أن الهدف الحقيقي Buffer State بهــا دولة عازلة ( الســتفزاز روســيا بأوكرانيا، ليس ضم األخيرة للناتو كهدف تتجاوز تكاليفه عوائده؛ بما يجره من إشــكاالت واحتكاكات ال ضرورة لها، بل أساسًــا الدفع لفصم عُرى العالقات المتزايدة ما بين روسيا وأوروبا؛ بتفجير المخاوف األمنية التاريخية المتبادلة ما بين الطرفين من جهة، وبالبيان العملي لخطورة ســ ح الطاقة في يد روســيا ضد أوروبا من جهة ثانية، وأخيرًا من جهة ثالثة، وعلى نطاق أوســع، تعزيز عملية إعادة عزل روسيا لمنع استمرار تزايد إمكاناتها وثِقلها المحتمليْن اقتصاديًّا وسياسيًّا عمومًا. فإذا وضعنا هذه العالقات القوية ضمن المشــروع اإلســتراتيجي الصيني-الروســي ألوراســيا الكُبرى، إطارًا جامعًا آلســيا وأوروبا ومشــروعًا أشــمل مُكم ًل لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ فســتبدو إثارة التوتر واالنشقاقات في هذا المفصل الدولي الحســاس منطقية تمامًا من منظــور المصالح اإلســتراتيجية األميركية لعدم خروج

Made with FlippingBook Online newsletter