| 94
أوروبا من عباءتها الواســعة؛ بما يســتتبعه من إضعاف موقفها في مواجهة الصين، خصمها األساســي المتحين الحتالل موقعها الدولي بمشاريعه الجديدة ذات األبعاد شبه الكوكبية. والواقع أن اســتمرار األزمة الحالية؛ بما ســترتبه من شَــق ال يمكن رتقه قريبًا في العالقات األوروبية-الروســية، مُتزامنة في الســياق األوسع مع أزمة اقتصادية عالمية كامنــة يحاول العالم تأجيلها يائسًــا، وتبدو مظاهرها المتراكمــة في تراجع التجارة )، سيؤدي على األرجح لتراجع 40 ( 2008 العالمية منذ ذروتها التاريخية إبان أزمة عام موجة العولمة التي يرى الكثيرون أن بوادر تفككها وفشلها قد بدأت تظهر بالفعل منذ )، بحيث سيعود العالم للترتيبات التجارية الثنائية والتكتالت اإلقليمية، 41 ( 2016 عام أو في أحســن األحوال وأكثرها تفاؤ ًلً، ســيتجه لالنقســام إلى معسكرين اقتصادين عالميين بنواتين مختلفتين، بما يتماشــى منطقيًّا مع االنتقال التاريخي البطئ للمركز االقتصادي العالمي، من واشنطن إلى بكين، أو على األقل، تقاسمهما المرحلي شبه المُؤكد لذلك المركز، وما بريكس وما على شــاكالتها من تنظيمات آســيوية جديدة ســوى محاوالت متواترة لتنظيم هذا المعســكر الجديد، وهو ما يتوافق مع توقعات )، بانقسامه لثالثة أنظمة: نظام دولي هزيل 42 جون ميرشماير لمستقبل النظام العالمي( معني أساسًا بالقضايا المشتركة كالحد من التسلح وفاعلية االقتصاد العالمي والتغير المناخــي ومــا إلى ذلك، مقابل نظامين محدودين قوييــن، بقيادة الصين والواليات المتحــدة، مع تصاعد المنافســة العســكرية واالقتصادية ضمن اســتمرار للعالقات التجارية (بقدر من إعادة الهيكلة)، بشــكل يشــبه وضع الصراع بين الحلف الثالثي (النمسا-المجر وألمانيا وإيطاليا) والوفاق الثالثي (بريطانيا العُظمى وفرنسا وروسيا) في أوروبا قبل الحرب العالمية األولى. وإذا كانــت الحــرب األوكرانية قد أعادت التفكير بهيــكل عالقات الطاقة، مُحطمة ،) 43 العالقات األوروبية مع روســيا، بشــكل يرْجُح أال رجعة فيه، قريبًا على األقل( فإنها كذلك ســتدعم تأثير االنقســام العالمي األعم المذكور على عالقات الطاقة؛ بما قد يؤدي إلى تجزؤ ســوقها ما بين المعســكرين االقتصاديين المُتوقعين؛ األمر الذي أشــار إليه تقرير الطاقة العالمية المذكور بحديثه عن تفكك السوق بانقسامات جيوبوليتيكية واختالالت سوقية متطاولة.
Made with FlippingBook Online newsletter