العدد 14 – مايو / آيار .2022

صدر عن مركز الجزيرة للدراسات العدد الرابع عشر من مجلة لباب، ويتضمن دراسات وبحوثًا متنوعة تتناول قضايا استراتيجية وإعلامية.

L U B A B ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت 2022 - ﻣﺎﯾﻮ/أﯾﺎر 14 اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ - اﻟﻌﺪد

رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ د. ﻣﺤﻤﺪ اﳌﺨﺘﺎر اﻟﺨﻠﯿﻞ

ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ أ.د. ﻟﻘﺎء ﻣﮑﻲ

ﺳﮑﺮﺗﯿﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ د. ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاﺟﻲ

هﯿﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ د. ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺒﺪ اﳌﻮﻟﯽ اﻟﻌﻨﻮد أﺣﻤﺪ آل ﺛﺎﻧﻲ د. ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺼﻤﺎدي د. ﺳﯿﺪي أﺣﻤﺪ وﻟﺪ اﻷﻣﯿﺮ د. ﺷﻔﯿﻖ ﺷﻘﯿﺮ د. ﻋـﺒﺪاﷲ اﻟﻌـﻤـﺎدي د. اﻟﺤﺎج ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﻮاس ﺗﻘﯿﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎﻃﻲ ﯾﺎرا اﻟﻨﺠﺎر

اﳌﺮاﺟﻊ اﻟﻠﻐﻮي إﺳﻼم ﻋﺒﺪ اﻟﺘﻮاب

دراسات وأبحاث

Studies and Research

نصر الدين لعياضي مناهج البحثفيعلوم الإعلام والاتصالفي السياق الرقمي: خلاف واختلاف عبد الرحمان علال النخبة الحكوميةفي الـمغرب: مسارات الاستيزار وإشكالات الانسجام ) 2021-1998( والتدبير عصام عبد الشافي الحرب الروسية-الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي رنا العَبري الصورة النمطية للمرأة في الدراما العربيةعلىمنصة نتفليكس: دراسة تحليلية لعينة من المسلسلات التليفزيونية محمد عبد الجبار حسن تحديات الانتقال الديمقراطيفي السودان: الاختلالات الاقتصادية وصراع الأجندة الداخلية والخارجية

Nacer-Eddine Layadi Research Methods in Information and Communication Sciences in the Digital Context: Difference and Deferment Abderrahmane Allal The Government Elite in Morocco: The Courses of “Ministerisation” and the Problems of Conformity and Management (1998-2021 ) Essam Abdelshafy The Russian-Ukrainian War and Future of International Order Rana Nasser Al-Abri Stereotypes of Women in Arabic Drama on Netflix: An Analytical Study of a Sample of Television Series Mohammed Abdel-Jabbar Hassan The Challenges of the Democratic Transition in Sudan: Economic Imbalances and the Conflict of Domestic and Foreign Agendas

11

65

105

139

189

خضير عباس أحمد النداوي في أسواق 19- تأثير جائحة كوفيد العمالة العربية

Khudhair Abbas Ahmad Al-Nadawi The Impact of COVID19- on Arab Labour Markets

227

قراءة فيكتاب

Book Review

شفيق شقير القافلة: عبداللهعزام وصعود الجهاد العالمي

Chafic Choucair The Caravan: Abdallah Azzam and the Rise of Global Jihad

255

5 |

افتتاحية العدد الحرب الروسية على أوك ارنيا والبحث في تحولات النظام الدولي يصدر هذا العدد في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا. وفيما تستمر المعارك منذ ، فقد بدأ الباحثون باستخلاص الدروس 2022 الرابع والعشــرين من فبراير/شــباط والتداعيات على العلاقات الدولية، ومستقبل العلاقات بين روسيا والغرب، وكذلك مجمل النظام الدولي الذي يبدو أنه ســيكون بديً عن الوضع الذي ســاد بعد انتهاء الحرب الباردة. لا يمكن اعتبار الحرب الروسية على أوكرانيا مجرد تطور عسكري لخلافات عميقة وطويلة بين بلدين جارين، فهو منذ البداية كان نتيجة مباشرة لصراع أوسع بين روسيا مــن جانــب وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة من جانب آخر. وهذه الخلافات ذاتها تخضع لسرديات متضاربة، وتُقدّم تصورًا عن تنازع القوة والنفوذ بين الطرفين، ، فكان 1991 والاحتقان غير المســبوق بينهمــا منذ تفكّك الاتحاد الســوفيتي، عام الوصول إلى مرحلة الحرب جزءًا من ســياق أوســع، وأكثر تعقيــدًا بكثير، كما أن تأثيراتها ســتمتد بعيدًا إلى كافة أجزاء النظام الدولي الراهن، ومناطقه، ومنها منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. فــي هذا العدد، يحلّل الدكتور عصام عبد الشــافي طبيعة الحرب الحالية من خلال ، وقد هدفت إلى " الحرب الروسية-الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي " دراسة بعنوان البحث في تداعيات الحرب، سياسيّا واقتصاديّا واستراتيجيّا، في ظل تعدد الأطراف المعنية بالصراع وتعقد المشهد الدولي. وتحاول الدراسة أن تحدد تأثير الأزمة الأوكرانية في بنية النظام الدولي، خاصة من حيث أنماط التفاعلات الدولية بعد الحرب، وتوازنات النظام الدولي القائم ومساراته ، الذي يسمح بتتبّع مسار التفاعلات " النسق الدولي " المستقبلية. وتعتمد على اقتراب بين النظام القائم ووحداته الأساسية وبيئته الداخلية والخارجية، والتعرف على ما قد يطرأ على عناصر هذا النظام وتلك البيئة من تغيرات بسبب هذه التفاعلات. وخلصت الدراســة إلى أن التحولات والتطورات التي تحدث في بنية النظام الدولي تنعكس

| 6

بالتبعية، سلبيّا وإيجابيّا، على كل الأنظمة الإقليمية الفرعية التي يقوم عليها هذا النظام، ومن بينها النظام الإقليمي للشرق الأوسط. وهذا يرتبط بطبيعة الحال بدرجة السيولة والتداخل الكبيرين بين الدولي والإقليمي. وســيكون في الأعداد القادمة من (لباب) عودة إلى الحرب الروســية-الأوكرانية، وما سينتج عنها من مواقف وتحديات تظهر تباعًا بتطور الحرب ونتائجها. وفي دراســة في الاجتماع السياسي، يطبّق الدكتور عبد الرحمن علال آليات منهجية لاختبار أســس التشــكيلات الحكومية بالاعتماد على التاريخ المهني لأعضائها من النخبة الحكومية في الـمغرب: " خلال دراسة حالة في المغرب. وفي بحثه الموسوم بحَثَ علال في " ) 2021 - 1998 مســارات الاستيزار وإشكالات الانســجام والتدبير ( التحولات التي وســمت النخبة الوزارية المغربية، خلال عقدين ونيّف من الممارسة )، انطلاقًا من السير الـــمهنية لأعضاء الحكومة 2021 - 1998 السياسية والدستورية ( . 2021 أكتوبر/تشرين الأول 7 الـمعيّنة في وقامت الدراســة بتحليل مجمل المتغيرات التي ميّزت الحكومة، سواء على مستوى المسارات المؤدية إلى الاستيزار، أو انسجام التخصص الوظيفي في علاقته بالقطاع الحكومي المُسْــنَد إلى أعضائها. كما تُحلّل الدراســة القواعدَ التي أطّرت الممارسة الملكيــة في صلتها بالحكومة من حيث تفعيل المقتضيات الدســتورية ذات الصلة، ومُدَد وأمكنة تعيين رئيسها وأعضائها. تحديات " فــي بحــث آخر، كتب الدكتور محمد عبد الجبار حســن دراســة بعنوان الانتقال الديمقراطي في الســودان: الاختلالات الاقتصادية وصراع الأجندة الداخلية ، تناولت تحديات الفترة الانتقالية في السودان، التي أعقبت سقوط نظام " والخارجية . وتستقصي الدراسة تأثيرات 2019 عمر البشــير في الحادي عشــر من أبريل/نيسان التدهــور الاقتصــادي المتواصل، والصراعات والانقســامات السياســية، في عملية الانتقال الديمقراطي، مستشــهدة بمقاربات انتقالية مختلفة أبرزها المقاربة التحديثية، ومقاربة الاقتصاد السياســي. وتفترض الدراســة أن السياســات الاقتصادية المتبعة حاليّــا، بالإضافة إلى الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية في الســودان، تُعد من أبرز معوقات الانتقال الديمقراطي. وتوصلت إلى أن الانتقال بوتيرته الحالية لن يحقق مبتغاه المنشود، ومن ثم تحقيق التحول الديمقراطي. ، يبحث الدكتــور خضير عباس أحمد 19 وفــي عودة إلى تداعيــات جائحة كوفيد-

7 |

النداوي في تأثير الجائحة على أســواق العمالة العربية، من خلال اســتقصاء تأثيرها على اقتصادات الدول العربية بشــكل عام، وعلى أســواق العمل والبطالة على وجه الخصوص. وترى الدراســة أن الاقتصادات العربيــة لا تمتلك القدرة على مواجهة هذه التأثيرات الســلبية، كما لا تتوفر معظم الدول العربية على الشــروط الاقتصادية والصحيــة المتكاملة لمواجهة تداعيات الجائحة على اقتصاداتها بشــكل عام وعلى سوق العمل والبطالة على وجه التحديد. واعتمدت الدراسة منهجًا مركّبًا يمزج بين المنهج الاســتنباطي الذي ينطلق من العام إلى الخاص، والمنهج الاســتقرائي الذي ينطلق من ملاحظة وقائع محددة وجمع البيانات ثم تحديد العلاقات المترابطة بينها وصياغة استنتاجات كلية. وفي هذا العدد ننشر دراستين إعلاميتين مهمتين، الأولى للدكتور نصر الدين لعياضي مناهــج البحث في علــوم الإعلام والاتصال في الســياق الرقمي: خلاف " بعنــوان ، وقد سعت إلى وضع خريطة لمناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال " واختلاف في السياق الرقمي تتضمن أربعة اتجاهات كبرى في البحث، وهي: المناهج التوافقية أو التعاقديــة، والكبرى، والافتراضية، والرقمية. ولتحقيق ذلك، ســلّطت الضوء على مختلف جوانب تعقّد البحث في مجال الميديا الرقمية وخصوصيته. وقامت الدراسة بحث أصدرتها مراكز بحث أكاديمية أجنبية ونُشِــرت في 100 بتحليــل عينة قوامها )نسبة " دريدييْن " مستخدمة مفهوميْن " ميتا التحليل الكيفي " مجلات علمية وفق منهج إلى الفيلسوف جاك دريدا( أساسيين، وهما: الإرجاء والاختلاف. الصورة النمطية للمرأة " أما الدراســة الإعلامية الثانية فهي للباحثة رنا العَبري بعنوان فــي الدرامــا العربية على منصة نتفليكس: دراســة تحليلية لِعيّنة من المسلســ ت وســعت إلى تحليل تمثيلات المــرأة وأبعاد صورتها في الدراما العربية " التليفزيونية التــي أنتجتهــا منصة نتفليكــس الأميركية، وتهدف إلى التعــرف على الموضوعات والقضايا التي تناولتها المسلســ ت، عيّنة الدراســة، عن المرأة العربية. كما ترصد الدراســة سمات الشــخصيات النســائية، وطبيعة مكانة المرأة وأدوارها، والمظاهر السلوكية للمرأة، واتجاه الصورة التي تشكّلها عن المرأة العربية، اعتمادًا على منظور التحليل السوسيوثقافي، ومنهج تحليل المضمون لعينة قصدية شملت ست وحدات من المسلسلات العربية التي بثتها نتفليكس. تولّى الدكتور شفيق شقير، المتخصص بالحركات " قراءة في كتاب " وفي الزاوية الثابتة

| 8

القافلة: عبد " الإسلامية، القراءة العميقة لكتاب الباحث النرويجي، توماس هيغهامر، . يوثّق الكتاب حياة عبد الله عزام، ويرصد مكانته " الله عزام وصعود الجهاد العالمي ، ومســؤوليته عــن مآلها من بعده. وقد نجح المؤلّف " الجهادية العالمية " في الحالة توماس هيغهامر إلى حدّ بعيد في المهمة الأولى، أما في الثانية، التي ربط فيها ربطًا وثيقًا بين عزام والجهاديات من بعده بالتحليل، فهناك فجوات كبيرة تعوزها المصادر والأدلــة. وتركز المراجعة على فهم جهادية عبــد الله عزام لأهميتها بذاتها وصلتها بما بعدها، وتلفت النظر إلى أهمية السياقات التي لم تُعْطَ حقها في الكتاب، لاسيما سياق الأزمة الأفغانية الجيوسياسي، وسياق نشأة الجهادية الذي هو أعمق وأبعد من عزام نفسه. هيئة التحرير

دراسات وأبحاث

مناهج البحثفيعلوم الإعلام والاتصال في السياق الرقمي: خلاف واختلاف Research Methods in Information and Communication Sciences in the Digital Context: Difference and Deferment * Nacer-Eddine Layadi نصر الدين لعياضي - ملخص: تسـعى الدراسـة إل ـى وضـع خريطـة لمناه ـج البحـثفي عل ـوم الإع ـام والاتصـال في الس ـياق الرقم ـي تتضم ـن أربع ـة اتجاه ـات كب ـرىفي البح ـث، وه ـي: المناه ـج التوافقيـة أو التعاقدي ـة، والكبـرى، والافتراضيـة، والرقميـة. ولتحقيـق ذل ـك، سـلّطت الضـوءعلىمختلـف جوانـب تعقّـد البحـثفي مجـال الميديـا الرقميـة وخصوصيتـه. بحـث أصدرتهـا مراكـز بحـث أكاديميـة 100 وقامـت الدراسـة بتحليـل عينـة قوامهـا أجنبيـة ونُشِـرتفيمجـات علميـة وفـق منهج "ميتـا التحليـل الكيفي" مسـتخدمة مفهوميـن "دريدييـن" (نسـبة إلـى الفيلسـوف جـاك دريـدا) أساسـيين، وهمـا: الإرجـاء والاختـاف. الإرجـاء، العبـر ميديـا، النمـوذج المثالـي، الآثـار الرقميـة، البيانـات كلمـات مفتاحيـة: الرقميـة. Abstract: This study seeks to map research methods in information and communication sciences in the digital context that include the four main streams of research: conventional, major, virtual and digital. In order to achieve this objective, the study has highlighted the different aspects of the complexity of research in the field of digital media and its features. It is analyses a sample of 100 studies published by foreign academic centres in periodicals according to qualitative meta-analysis methods using two essential Derridian (referring to the French philosopher, Jacques Derrida) concepts: difference and deferment. Keywords: Différance, Transmedia, Ideal Type, Digital Traces, Digital Data.

أ. د. نصر الدين لعياضي، أستاذ التعليم العالي، جامعة الجزائر. *

Dr. Nacer -Eddine Layadi, Professor of Mass Communication at the University of Algiers.

13 |

مقدمة ظل الســؤال ذاته يتكرّر منذ ثلاثة عقود: هل يمكن دراســة الميديا الرقمية بالمناهج وأدوات البحــث التقليدية التي اعْتُمِدت في عصر التكنولوجيا التماثلية؟ على الرغم مــن أن البحوث العديــدة والمتراكمة قدّمت ولا تزال تُقدّم الإجابة العملية عن هذا الســؤال إلا أن الجدل حوله ما زال قائمًا ويشــي بأن هامش الخلاف أوســع من الاختــ ف. لقــد أفرز هذا الجدل اتجاهين أساســيين: اتجاهًــا نظريّا ذا طابع عام، يتعلــق بدور التكنولوجيا والآليــات الرقمية في جمع البيانــات وتحليلها، وتأثيرها علــى البحث العلمي؛ حيث يعتقــد أصحاب هذا الاتجاه أن التكنولوجيا الرقمية لم تُحدِث تغييرًا في المجتمع فقط، بل غيّرت أيضًا ممارســة البحث العلمي وســتغيّر طبيعة العلوم الاجتماعية والإنســانية ككل. ومن المنتظر أن تُسهِم في تحقيق طموح الكثير من الباحثين الوضعيين الذين ســعوا، وما زالوا يســعون، إلى تقريب العلوم الإنسانية والاجتماعية التي توصف بالرخوة من العلوم الطبيعية التي توسم بالصلبة، Raymond ). فعالم الاجتماع الفرنسي، ريمون بودون ( 1 فتُكسِبُها المزيد من الشرعية( )، علــى ســبيل المثال، كان يعتقد بأن اعتمــاد العلوم الاجتماعية على لغة Boudon ). لكن بالتدريج حلّت كلمة الإحصائيات محل 2 الرياضيات يمنحها النضج العلمي( ) الذي Graphic كلمة الرياضيات. وها نحن اليوم، نشهد استبدال مصطلح الغرافيك ( يطبع المناهج الحاسوبية بهما، ويجرّ علوم الإعلام والاتصال إلى الانزياح من كونها علومًا تأويلية تســعى لاســتخلاص المعنى إلى الالتحاق بالعلوم التجريبية التي تروم استخلاص القواعد وتقديم التنبؤات. والاتجاه الثاني ذو طابع عملي، ويتعلق بالســؤال عن الجديد في مناهج البحث في مجال علوم الإعلام والاتصال، وعن مكانة قديمها في السياق الرقمي. فعلى الرغم من التغيير الكبير الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية في الحقول المعرفية إلى درجة أن Internet بعض الجامعات أنشأت تخصصًا جديدًا قائمًا بذاته أسمته دراسات الإنترنت ( )، إلا أن بعض الباحثين ما زال يعتقد بأن المناهج التقليدية ستظل فاعلة في Studies دراســة الميديا الرقمية طالما أن الملاحظة العلمية بشتى أنواعها ما زالت هي ذاتها، والمقابلات المعمقة لم تتغيّر كثيرًا عما كانت عليه قبل ميلاد شــبكة الإنترنت، وإن

| 14

)، وأن 3 بدأ تحليل محتواها يستفيد من عُدّة تقنيّة أكثر تطورًا خلال السنوات الأخيرة( )، التي استُخدمت Textometrics الطرائق المختلفة لقياس البيانات النصية وتحليلها ( في تحليل الخطابات السياســية والصحفية في عصر التكنولوجيا التماثلية، ما زالت باستعانتها بالبرمجيات ذات السرعة العالية في التحليل والقادرة على " تتجدّد " قائمة، و .) 4 تَمْثِيل هذه الخطابات في شكل كلمات وجمل سحابية ورسوم بيانية( ويظل جزء كبير من اســتطلاعات الرأي يُصمّم وفق الأســس ذاتها وإن كان توزيع الاســتمارة يجري عبر شــبكة الإنترنت وبياناتها ويُحلّل بطريقــة آلية. لذا لا يمكن لتغيير سياق البحث العلمي من بيئة التكنولوجيا التناظرية إلى البيئة الرقمية أن يعطي مشروعية للقول بأن مدة صلاحية المناهج التقليدية في البحث قد انتهت، بدليل أنه لا يوجد سياق نمطي موحد للكثير من البحوث الإعلامية، فسياق قراءة الصحف غير سياق الاستماع إلى الإذاعة، ويختلف عن سياق المشاهدة التليفزيونية في التليفزيون )، وســياق هذه الأخيرة David Morley التي تحدث عنها ديفيد مورلي ( " التقليدي " يختلف عن ســياق مشاهدة شرائط الفيديو والأفلام عبر الخط، مثلما تراه الباحثتان، .) 5 () Lucien Perticoz ) ولوسيان برتكوز ( Catherine Dessinges كاترين دوسنج ( وســياق البحوث الإثنوغرافية، هو الآخر، ليس واحدًا، فلكل بحث إثنوغرافي سياقه ). لذا، ظلت البحوث الإثنوغرافية تتكيّف مع ســياق كل موضوع من 6 المخصوص( موضوعاتها، ويمكن أن نسمي هذا التكيّف ابتكارًا. ، " الأنثروبولوجيا الافتراضية " )، مؤسّسة Christine Hine تُعزّز الباحثة، كريستين هين ( هذا الاســتنتاج بالقول: إن الابتكار كان دائمًا مطروحًا في جدول نشــاط البحوث الاجتماعية الأمبريقية، مستشــهدة فــي ذلك بتاريخ العلوم الاجتماعية والإنســانية، ) وروبرت Paul Lazarsfeld وبالمقابــ ت المعمقــة التي أضافها بول لازرســفيلد ( .) 7 ) إلى بحوثهما المسحية( Robert Merton ميرتون ( Julien ) وجوليــان رويف ( Serge Proulx ويصــف الباحثان، ســيرج برولكــس ( الترميق " )، الابتــكار الذي ميّز المنجز المنهجي في البيئــة الرقمية المعقدة بـ Rueff )، ولا يعتبران هذا المفهوم اســتفزازيّا مقارنة بصرامة العلم ودقته، أو 8 ( " المنهجــي تبخيسًا للاستراتيجيات البحثية المعتمدة لحد اليوم. يدل الترميق المنهجي على شيئين في الوقت ذاته: عدم تجانس المنهجيات، وتكييفها مع خصوصية ميدان البحث وأســئلته، ووسيلة لحصر موضوع البحث والقبض عليه

15 |

). فالترميق في اعتقادنا هو 9 في نقطة تقاطع الرؤى المتعددة ومضاعفة زوايا تحليله( دفع البحث للتجريب عبر السير في طريق غير معبّد، بالقدر الكافي، في البيئة الرقمية. إذن، علــى الرغم من مرور أكثر مــن عقدين على البحوث الأولى التي أُنجزت في )، ما زالت مناهج البحث في السياق الرقمي توصف بالترميق، 10 الفضاء الافتراضي( أي إنهــا موضع اجتهاد مســتأنف، فلم ترســخ وتتجذّر بعد لتصبــح مناهج توافقية .) Conventional ( . الإطار النظري والمنهجي 1 يتطلب رسم خريطة لأبرز الاتجاهات البحثية في السياق الرقمي الإجابة عن الأسئلة في الاستراتيجيات البحثية في علوم الإعلام " الترميق المنهجي " التالية: كيف تَجسّد والاتصــال فــي البيئة الرقمية؟ وما أوجه التشــابه والاختلاف بين الاســتراتيجيات المنهجية التي تستند إلى العُدّة الرقمية أو تستعين بها؟ وما التداعيات الإبستمولوجية على علوم الإعلام والاتصال؟ " المعاصرة " والأخلاقية للمناهج البحثية لا يُفهم إلا بالنظر إلى المناهج السابقة ومكتسباتها، وما جرت " الترميق " نعتقد أن هذا إضافته إليها، وما يختلف عنها، وإلى تنوع الاجتهادات المنهجية. للإجابة عن هذه الأســئلة نســتأنس بالنظرية التفكيكية، التي نعتقد أنها لا تعبّر عن اتجاه فكري عدمي، بل تروم التفكيك وإعادة التركيب: تفكيك الأفكار والبنى الفكرية والتجارب البحثية قصد بلوغ حقيقتها وإعادة تركيبها بتشــغيل مفهومين أساسيين في ) والاختلاف Différance التفكير الدريدي (نســبة إلى جاك دريدا)، وهما: الإرجاء ( ). يســاعدنا المفهوم الأول (الإرجاء) في مناقشــة المناهج البحثية 11 () Différence ( انطلاقًــا مما غاب فيهــا أو عنها أو بناءً على ما لم تفصح عنه. ويدفعنا إلى الالتزام بالحذر وإرجاء تقييم المناهج البحثية في السياق الرقمي وعدم الحكم عليها بطريقة حاســمة لا رجعة فيها، لأنها ترتبط بعُدّة رقمية لا تكفّ عن التنوع والتطور والتغيير وتدرس ممارسات اتصالية وإعلامية متجددة ومتغيرة باستمرار. ويعيننا المفهوم الثاني (الاختلاف) في الكشف عن المشترك والمتباين في الاتجاهات المنهجية التي درست الميديا في البيئة الرقمية، والاقتراب أكثر من مستويات الرهانات المعرفية لكل اتجاه منهجي تتضمنه خريطة المناهج المعاصرة. )، المنهج الذي Qualitative Meta - analysis واعتمدنا على ميتــا التحليل النوعي (

| 16

)، والذي يشــرحه الباحث Study - Meta يُعــد حديثًــا جدّا وانبثق عن ميتا دراســة ) إنه يدرس نتائج وصيرورة الدراسات " ) بالقول: 12 () Shanyang Zhao تشانينج زهو ( السابقة، فهناك ظاهرة ما نقوم بدراستها وتحليلها، ثم نُنْجِزُ دراسة عن الدراسة الأولى. لا يقف عند تلخيص نتائج الدراســات السابقة، بل التفكير في " ميتا دراســة " فهدف أين وصلنا في " دراســة ثانية لتُحلّل صيرورتها، ودليلها في ذلك الســؤالان التاليان: ). بعبــارة أخرى: إن ميتا التحليل 13 ( " هــذه الدراســات؟ وإلى أين نريد أن نمضي؟ النوعي يهتم بالبحث في الدراســات الســابقة لموضوع ما من زاوية خلفياتها النظرية والسياقات التي أُنجزت فيها. وهو بمنزلة جسر العبور من المنهج إلى المنهجية، إن Charles ) وتشارلز إس ( Mia Consalvo سايرنا ما ذهب إليه الباحثان، ميا كونسالفو ( )، فــي تمييزهمــا بين المنهج والمنهجية. لقد اعتقدا بأن منهج البحث هو جملة Ess من التقنيات الملموســة، بينما المنهجية هي تصورات تنقل أطر التأويل النظري إلى .) 14 الميدان الأمبريقي( أمام غزارة البحوث والدراسات ذات الصلة بالمناهج البحثية في السياق الرقمي اعتمدنا دراسة وبحث منشور في 100 ) قوامها Convenience sampling على عينة ميســرة ( مجلات علمية دولية محكّمة صادرة عن مراكز وهيئات بحثية أجنبية -انظر الجدول وتتضمن بحوثًا ذات طابع نظري تناقش تأثير التكنولوجيا الرقمية على مناهج 1 رقم - البحث في العلوم الإنســانية والاجتماعية. وتُقيّم وتُصنّف التجارب البحثية في حقل الإعلام والاتصال في السياق الرقمي. وبعد مَحْصِ مفردات هذه العينة فضّلنا الوقوف على خريطتين أساسيتين رسمتا التوجهات المنهجية الكبرى لدراسة الميديا في البيئة الرقمية، وهما مستمدتان، بالطبع، من مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية. الخريطة )، الباحثة في علم الاجتماع 15 () Noortje Marres الأولى وضعتها نورتجي ماريس ( ) 16 ، والثانية صاغها كل من الباحثيْن، ســيرج برولكس وجوليان رويف( 2012 فــي . إن مبرّر تفضيلنا لهاتين الخريطتين يعود لكونهما شاملتين وتلخصان أبرز 2018 في الاتجاهــات البحثية المعاصرة فــي حقل الإعلام والاتصال، وتتقاطعان في أكثر من مفصل، إضافة إلى أنهما تحوّلتا إلى مرجع أساســي من فرط تواترهما في البحوث التي تعالج مسألة مناهج البحوث. وبعد مناقشة الخريطتين على ضوء بحوث العينة نعرض فيها بعض الجوانب 2 المدروســة نقترح خريطة ثالثة -انظر الجدول رقم - والأبعاد التي نعتقد أنها لم تبرز في الخريطتين المذكورتين.

17 |

وتضمنت العينة المدروسة أيضًا بحوثًا ودراسات تشمل مختلف موضوعات الإعلام والاتصال التي تبنّت اســتراتيجيات بحثية متنوعة لدراســة الميديا في البيئة الرقمية. وحاولنا أن نستخرج منها القسمات المشتركة التي تجمع بعضها وأدرجناها في إحدى .) 3 الاتجاهات البحثية الكبرى كمثال نموذجي (انظر الجدول رقم : موضوعات عينة البحوث والد ارسات 1 الجدول م الموضوعات العدد 1 بحوث ود ارسات عن المناهج في عصر البيانات الضخمة 29 2 تحولات الصحافة والميديا في البيئة الرقمية 11 3 الصحافة الرقمية 18 4 شبكة الإنترنت 10 5 مواقع التواصل الاجتماعي 8 6 الأخبار عبر الخط 13 7 العبر ميديا والمواءمة 5 8 الصحافيون في بيئة الويب 3 9 د ارسة الجمهور ومستخدمي الويب 3 المجموع 100 من نافلة القول: إن هناك جملة من العوامل والمتغيرات التي شــكّلت الإطار الذي برزت فيه مناهج البحوث الإعلامية في البيئة الرقمية وتطورت، نوردها كما يلي: )17( ة التقنية وتفكير التضاد َّ د ُ . الع 1 تتسم شبكة الإنترنت، التي تعتبر العنصر المؤسّس للبيئة الإعلامية، بقدرتها على جمع ،) Oxymoron التصورات والممارســات التي تبدو أنها متناقضة أو تتســم بالتضاد ( كالقول مث ً: إن هذه الشبكة خاصة وعامة في آن واحد، ومنفتحة ومنغلقة، ومحلية وكونيــة، وتتيح الاتصال التزامني وغير المتزامن أو المؤجل، وحرة ومقيدة، وتجمع وحيدًا وسط " الأفراد لإنشاء جماعات وتفكيك الجماعات، وتشجع الفرد على الإقامة

| 18

،) 18 ( " في ذاته وخارجها في الوقت ذاته " ، وتُعزّز نرجسية الفرد على الإقامة " الناس بمعنــى أن هــذه الممارســات التي تبدو متناقضة تشــكّل معنى جديدًا يميز شــبكة الإنترنــت. لذا، فإن التفكير في هذه الممارســات الإعلامية والاتصالية التي تجري في هذه الشبكة وعبرها يتطلب تطليق الخطاطة الذهنية الموروثة من الماضي وتبنّي استراتيجية تروم الفهم وفق منطق تفكير التضاد. وهذا يشكّل تحديًا منهجيّا للوقوف على تنوع الممارسات الإعلامية التي تجري في شبكة الإنترنت وعبرها، واستخراج معانيها مع منتجي المحتويات ومستخدميها في آن واحد. . المنطق المتداخل في ظل هجانة البيئة الإعلامية 2 تعيش وسائل الإعلام مسارًا مستأنفًا من التغيير منذ نهاية القرن الماضي ومطلع الألفية . " استهلاكها " الحالية سواء على صعيد جمع الأخبار، وتحريرها وإنتاجها، وتوزيعها، و Chris والأمــر لا يقتصــر على الصحافــة التي وصفها الباحثون كريس أندرســون ( تمر " ) بأنها Clay Shirky ) وكلاي شيركي ( Emily Bell ) وإيميلي بيل ( Anderson من صناعة منسجمة، إلى حدّ ما، إلى طائفة من الممارسات المختلفة والمتنوعة (...) ). لقد شمل هذا 19 ( " فالصناعة الصحفية ماتت بَيْدَ أن الصحافة توجد في أماكن عديدة المسار من التحوّل كل وسائل الإعلام فأصبح من الصعب فصل قديمها عن جديدها؛ الذي لا يتعلق بوســيلة إعلامية بعينها، بل يرتبط " هجانة الميديا " إذ ذابا في مفهوم بالمنظومة الإعلامية بأســرها التي أضحــت هجينة على حدّ قول الباحث في مجال ). وتختفي وراء هذه 20 () Andrew Chadwick التواصل السياسي، أندرو تشادويك ( .) 21 ( " هجانة الاستخدامات " الهجانة هجانة أخرى نادرًا ما نتحدث عنها، وهي مــن المفتــرض أن منطــق الميديا الاجتماعيــة يختلف عن منطق وســائل الإعلام التقليدية، لأنهما وُلدا في مســارين تكنولوجييــن واقتصاديين مختلفين، لكن هجانة البيئــة الإعلاميــة دفعت بهمــا إلى التقارب، بل إلى التداخــل والاندماج من خلال )، والنزعة الشعبية Programmability اشتراكهما في العناصر التالية: قابلية البرمجة ( )، والنزعة البياناتية، أي التحويل Connectivity )، والارتباط الاتصالي ( Popularity ( .) 22 () Datafication إلى بيانات، ( تَشَــكّل منطق وســائل الإعلام التقليدية تدريجيّا في الممارسة من خلال دكّ الجدار الفاصــل بين الإعــ م والإعلان، وبين الأحداث والرأي، وبين تقديم خدمة عمومية

19 |

وبيع ســلعة. وتطور منطق الميديا الاجتماعية بالاســتفادة مما دكّته وســائل الإعلام التقليديــة إضافة إلى الممارســات المتضــادة، التي تحدثنا عنها آنفًــا، مثل الجمع بيــن الخاص والعام، والفردي والجماعــي، والمحلي ودولي. لقد فرضت تداعيات اندماج المنطقين في الممارسات الإعلامية والاتصالية على الباحثين الالتزام بتعددية المقاربات النظرية والمنهجية من أجل استجلائها وفهمها، مثلما سنوضح لاحقًا. . من الإعلام إلى "ميتا اتصال" 3 لم يوســع التطور التكنولوجي الســريع في قائمة مواضيع الأخبار الصحفية فقط، بل أســهم أيضًا وبقوة في تغيير جوهرها. فالأخبار لم تعد مقتصرة على نقل ما جرى، بل امتدت إلى نقل التعليقات، والتعليقات على التعليقات على ما جرى؛ مما يحفز فضول المرء على معرفة مَنْ علّق على مَنْ؟ لذا، يمكن القول: إن الأخبار في الميديا المعاصرة سلكت عدة اتجاهات، منها تحويل القضايا العامة إلى قضايا شخصية من )، وتحويل الأمور الشــخصية إلى قضايا عامة عبر Subjectivisation خلال تَذْوِيتِها ( تغليفها بغلاف الموضوعية. قد يقول قائل: إن هذه الظاهرة ليســت بنت اليوم، لقد شرعت صحافة المشاهير، وتليفزيون الواقع، في تجسيدها منذ انطلاقاتهما. بالفعل، لقد وُجِدت هذه الظاهرة قبل ظهور شــبكة الإنترنت، لكن ما يبدو جديدًا في هذه الظاهرة هو الســياق الذي تجري فيه والمتسم بانفتاح المجالات على بعضها؛ حيث يتداخل المجال الخاص والاجتماعي والعمومي. Palo ( " بالو ألتو " ويمكن اختزال هذه الظاهرة فيما أســماه أحد مؤسســي مدرســة ،) 23 ( " الميتا اتصال والميتا إعلام " )، بـ Gregory Bateson )، غريغوري بيتسون ( Alto الذي يُفكّك عناصر مادة الاتصال ويطرحها للتداول، لتَحَوّل الإعلام ذاته إلى موضوع ) إلى التفكير 24 للاتصال والتواصل. لعل هذا التحوّل هو الذي دفع بعض المهنيين( فيما يمارسون؛ إذ لاحظوا أن القالب التقريري والسردي للأخبار يتراجع أمام القالب الحواري، خاصة بعد أن توافرت الإمكانات للجمهور/المســتخدم ليشارك في إنتاج .) 25 المادة الإعلامية( إذن، لقد تغيّر الحامض النووي للأخبار فأصبحت غير مستقرة، ومرنة، وقابلة للتعديل ،) New News ). فوُصِفَت بالعديد من الأوصاف، مثل الأخبار الجديدة ( 26 والتحوير( ) للدلالــة على أن مضامينها John Katz كمــا أشــار إلى ذلك الباحــث جون كاتز (

| 20

)، والأخبار 27 أصبحــت تمزج الإعلام عن الأحداث السياســية بالترفيه والتســلية( ). وصفة السائلة لا تعود لكون الأخبار لم تستقر 28 الديناميكية، أو المائعة أو السائلة( بعد على شكل تعبيري محدّد وثابت فحسب، بل أيضًا لأنها متواصلة التّشكّل نتيجة ارتباطها بتطور الأحداث وامتدادها الزمني وتعدّد المساهمين فيها. وتطــرح هــذه التحولات جملة من الصعوبات والتحديــات على البحث الأمبريقي، يمكن تشخيصها كالتالي: لم تعد الطريقة الكلاسيكية لتحليل صحيفة ورقية ذات فائدة كبرى في تحليل . 1 . 3 صحيفة رقمية تتكئ ممارســتها على مصطلحات ومفاهيم إجرائية متعددة ومتنوعة، مثل: التفاعلية، والتناص، والنص االمتشعب، والكتابة غير الخطية، وتعددية الوسائط، )، والمحتويات 29 () Cross Media Publishing والمواءمة والنشــر العبــر ميديــا ( ). مع العلم بأن 30 المشخصنة، وذاكرة الصحيفة) الأرشفة(، وزمنية المادة الإخبارية( السعي من أجل وضع بروتوكول لتحليل موقع الصحيفة الرقمية أو الموقع الإخباري .) 31 ما زال قائمًا، وما أُنجز لم يتوطد بعد ليصبح مرجعًا عمليّا( لا تنطبق أســس تصنيف الأنواع التعبيرية في الصحيفة الورقية على خصوصية . 2 . 3 عليه " القبض " الويب. فالنص الذي كان يُعرَف في الســابق بطابعه المســتقر وإمكانية في شــموليته، لم يعد كذلك؛ إذ اتســم بطابعه المفتوح والمتحوّل في الويب، مما يصعّب بلوغ شــموليته دفعة واحدة. لذا اقترح اللســاني الفرنســي، دومنيك مانغونو )، ترســانة مفهوميــة لشــرح خصوصيــة الويب في Dominique Maingueneau ( ) والســينوغرافيا Hypergenre تحليل الخطاب، نذكر منها ثنائية: النوع المتشــعب ( .) 32 () Scenography ( ) 33 لا تخضع الأخبار السائلة لمعايير القياس الكلاسيكي نظرًا لطابعها المتحوّل( . 3 . 3 وتجدّدها المستمر، وانفتاحها على مشاركة المستخدمين مما يتطلب التفكير في طرق جديدة بديلة لقياس أبعاد سيولتها عبر الخط وإخضاعها لمتطلبات البحث الأمبريقي حتى يتمكن من تجاوز الحدود المنهجية التي تفصل مُنْتِج المادة الإعلامية والثقافية عن متلقيها/جمهورها/مســتخدميها، خاصة في ظل رسوخ مفهومي المحتوى الذي ،) 34 () Produsage ( " الانتخدام " ) و User - Generated Content ينتجه المســتخدم ( فالكل يعلم أن المُنْتِج بالمعنى التقليدي قد زال في الميديا الاجتماعية، مثل: تويتر، وفيســبوك، ويوتيوب، لأنها لا تنتج مواد ســمعية-بصرية على غرار التليفزيون، بل

21 |

تبث إنتاج مشــتركيها ومستخدميها. كما أن مفهوم سيولة الأخبار يقتضي التفكير في برتوكول لتحليل النص الإخباري المتشــعب يختلف عن تحليل المضمون التقليدي .) 35 للصحف الورقية( علــى الرغم من لجوء وســائل الإعلام التقليدية )صحــف، محطات إذاعية، . 4 . 3 قنــوات تليفزيونيــة) إلى اســتخدام منصات التواصل الاجتماعــي، وإدراجها ضمن اســتراتيجياتها الإعلاميــة، إلا أن تحليل مضامينها تختلف عن دراســة المحتويات ، مثلما ذكرنا أعلاه، " الميتا إعلام " المتداولــة في المنصات الرقميــة التي تتماهى مع ممــا يطرح صعوبــات منهجية في دراســتها. فهل يمكن التغلــب عليها من خلال الاســتعانة بتحليل الخطاب الشــفهي والمحادثة في الاتصال الشخصي وجهًا لوجه )، خاصة بعد أن ظهرت الدعوة إلى Erving Goffman وفق منظور إرفينغ غوفمان ( تجديد نموذجه الدرامي للحياة الاجتماعية قصد الكشف عن مسرحة الذات وسردها .) 36 في هذه المنصات؟( . تعاضد الأطر النظرية 4 تســتند كل معرفــة علمية إلى ركيزتين: منطقية وأمبريقيــة. فالأطر النظرية تزود هذه ). وعلى هذا 37 المعرفة بالركيزة الأولى، بينما يزودها البحث العلمي بالركيزة الثانية( الأســاس تبدو النظرية ومنهج البحث وجهين لعملة واحدة. إن الأطر النظرية تعطي معنى لما توصل إليه البحث الأمبريقي: تشرحه، وتُقدّم قراءة لآفاق تطوره بعد توظيف آليات تأويله أو تســن قواعد لتعميمه. ويمنح المنهج المادة التي تمكّن البحث من .) 38 ( " الفضاء المفهومي " الارتقاء ببياناته الأمبريقية إلى وتُشكّل الميديا الاجتماعية ملتقى العديد من التخصصات العلمية؛ إذ تتقاطع العديد مــن العلوم في دراســتها. لذا يبــدو أن البحث عن إطار تأويلــي لمختلف جوانب نشــاطاتها صعب إن لم يكن مســتحي ً. فالعُدّة النظرية التي يُشَغّلُها الباحث لدراسة هذه الميديا تختلف باختلاف نظرته إليها: هل يعتبرها نظامًا اجتماعيّا؟ ممارسةً تقنو- اجتماعية؟ هل هي قوة تغيير الممارســة السياســية؟ هل يعتبرها رافدًا ثقافيّا منتجًا للتمثّلات الاجتماعية؟ وهل تُعد مخبرًا لتطور الممارســات اللســانية والخطابية أو تشكّل مرحلة متقدمة من الإنتاج ما بعد الصناعي للصحافة؟ بصرف النظر عن الإجابة التفصيلية عن هذه الأسئلة، يمكن القول: إن حقل الإعلام والاتصال شهد الكثير من المحاولات لمراجعة نظريات الإعلام المعيارية التقليدية في

| 22

،) 40 )، ونظرية وضع الأجندة( 39 البيئة الرقمية، مثل: نظرية حارس البوابة الإعلامية( )، ولولب 41 ونظريــة التأطيــر الإعلامــي، ونظريــة الاســتخدامات والإشــباعات( )، ونظرية 43 )، ونظريات انتشار المبتكرات وتطبيقها على وسائل الإعلام( 42 الصمت( )، وغيرها. ويبدو أن تشــغيل هذه النظريات كإطار لفهم تطور 44 التلقــي الإعلامي( الممارسات الإعلامية في البيئة الرقمية لم يحظ بإجماع الجماعة العلمية. لذا سعى الباحثون إلى فهم هذه الممارسات انطلاقًا من أطر نظرية مختلفة، نذكر منها: نظرية )، التي تزايد استخدامها في Pierre Bourdieu )( 45 ) لبيير بورديو ( The field الحقل ( البحث بعد تطور ممارســات الصحافة وتنوعها، وإلحاح السؤال عمّن هو الصحافي ) ليورغن هابرماس 46 في نهاية العقد الأول من الألفية الحالية. ونظرية المجال العام( Hannah )، وحنّا أرندت ( Axel Honneth )، وأكسيل هونيث ( Jürgen Habermas ( )، بعــد أن تراجعت الديمقراطية التمثيلية Oskar Negt ‏)، وأوســكار نيغت ( Arendt " تجديد " وبــدأت تعيــش أزمتها، وتزايد اســتخدام مواقع التواصــل الاجتماعي في ) التي تُعد ضربًا من Mediatization الفعل السياســي، ونظرية الوساطة الميدياتيكية ( الذي يروم توطيد العلاقة بين الطرفين: المُرْسِــل والمنظومة الاقتصادية " ميتا مســار " والسياسية والقانونية التي يشتغل فيها، والوسيط التقني )الميديا( الذي يضطلع بأدوار اجتماعية وسياســية )التمثّلات والاندماج(. ويمكن تحديد هذه الوساطة انطلاقًا من ): أ) المحتويات الإعلاميــة وما تحمله من تمثّلات. 47 الخصائــص الثــ ث التالية( ب) الاهتمام المتزايد بما هو اجتماعي باعتباره رافدًا للفعل الإعلامي ومجاً لتأثير .) 48 الميديا. ج) إمكانيات تأويل علاقة الميديا بما هو اجتماعي( لقد اتسمت البحوث التي اعتمدت على هذه الأطر النظرية، التي تُعد تقليدية وتصنّف في خانة البحوث التوافقية، بانزياحها عن الأمبريقية المحضة وتوجهها نحو المعالجة .) 49 النظرية لموضوعات الميديا( وتطبيقها " المعاصرة " وتضاف إلى هذه البحوث تلك التي حاولت استخدام النظريات )، التي تعتمد على الدراسات 50 على الميديا في بيئة الويب، مثل: البراغماتية الثقافية( النصية لتحديد معايير الاتصال بغرض تشــخيص القيم الثقافية والكلمات المفتاحية Zygmunt الكاشــفة عنهــا، ونظرية الســيولة لعالم الاجتمــاع زيجمونت بومــان ( )، ونظرية المواءمة والعبر 51 ) لدراســة سمات ســيولة الأخبار عبر الخط( Bauman )، والتي تنص على Henry Jenkins ) للباحــث هنري جنكينز ( Transmedia ميديــا (

23 |

،) 52 التوجه إلى إنتاج المحتويات واستهلاكها بطريقة متكاملة عبر مختلف الحوامل( )، التي تأخذ بعين الاعتبار 53 () Actor - Network Theory ونظرية الفعل والشــبكة ( العناصر المادية والبشــرية في دراســة الميديا علاوة على الخطابات، والتي قال عنها إنها جعلتنا نعي الأدوات التي توجد " :) Rodney Benson الباحث رودني بينســون ( ،) 54 ( " بيننا، والدور الذي تقوم به في تشــحيم علاقاتنــا الاجتماعية والحفاظ عليها الميديا " )، التي تســتند إلــى أطروحة أن Mediamorphosis ونظريــة ميديا التحول ( بصيغــة الجمــع هي أنظمة معقدة وقابلــة للتكيّف اســتجابة للضغوطات الخارجية ). وقد حصر منظّرها، روجر فيدلر 55 ( " من خلال مســار تلقائي من التنظيم الذاتــي )، مبادئ هذا التحول وآفاقه في: التطور والتعايش المشــتركيْن، 56 () Roger Fidler ( وتحوّل الميديا التقليدية لتتكيّف مع تغيير البيئة الإعلامية، والبقاء والانتشار، والفرصة والاحتياج، والتبني المؤجل. هذا إضافة إلى نظريات الاســتخدام الاجتماعي للعُدّة السوســيو-تقنية ذات التوجه البنائي والتفهمي التي دفعت علم الاجتماع إلى دراسة العُدّة المذكورة وهي في حالة عدم الاســتقرار، بعد أن دأب على دراســة الظواهر .) 57 الاجتماعية المستقرة وذات الحدود الواضحة والثابتة( وتكشــف هــذه النظريات المختلفة عن تعدّد نظــرة الباحثين للمواضيع التي طرحها ويطرحها تطور الميديا، وتؤطر التفكير فيها. لكن ما يلفت النظر أكثر في دراســتها في السياق الرقمي، هو ما يلي: تزايــد عدد البحوث الإعلامية التي اتجهت إلى الاســتعانة بالنظرية المتجذرة . 1 . 4 ) لدراســة الميديــا، والتــي لا تقرأ ما يجري جمعه من بيانات Grounded Theory ( ). بالطبع، 58 علــى ضوء نظرية قائمة، بل تحاول اســتقراءه من أجــل صياغة نظرية( إن هــذا التوجــه قديم، ولم يفرضه الســياق الرقمي، لكن التحولات التي تعيشــها Ram ó n الميديا المعاصرة عزّزته. هذا ما يؤكده الباحث الإسباني، رامون سالافيريا ( )، فــي تقييمه للبحوث عــن الصحافة الرقمية التي جرت في العديد من Salaverr í a .) 59 ( 2009 و 1994 بلدان العالم ما بين وتحاول هذه النظرية أن تســتوعب هجانة الممارســات الإعلامية غير المستقرة وما تطرحه من مواضيع مســتجدة، مثل: دراســة مدى تأثير السرعة في نقل الأخبار على )، وأشــكال اســتبطان 60 المعايير المهنية، وروتين العمل الصحفي في قاعة التحرير( التطــور التقنــي في العمل الصحفــي أو مقاومته، والتحولات فــي مصادر الأخبار

| 24

ورهانات مصداقيتها...إلخ. وميزة هذه النظرية أنها تمكّن الباحثين من تسليط الضوء على خصوصية تطور الممارسة الصحفية في هذا البلد أو ذاك. هذا إضافة إلى أنها لم تنشأ لمواجهة صعوبات منهجية فحسب، بل لتُجسّد تصورًا فلسفيّا في دراسة الميديا يرى أن المشاكل الإبستمولوجية لا تُطرح في صيغتها المكتملة والجاهزة قبل الشروع .) 61 في البحث، بل تتشكّل تدريجيّا عند الشروع فيه وأثناءه( إن كان البراديغم التقنو-اقتصادي قد طبع الكثير من البحوث، خاصة تلك التي . 2 . 4 تعتمــد على المناهج الحاســوبية، لاحظنا في عينة البحــث توجهًا متزايدًا إلى مزج النظريات المتناسلة من براديغمات مختلفة ومتباينة لدراسة الميديا في السياق الرقمي لم يكن التقاؤها ممكنًا في الماضي، بل لم تخطر ببال الباحثين في الســابق. وهذا من أجل النظر إلى الممارسات الإعلامية الرقمية من مختلف الزوايا، وتسليط الضوء )، والوسيط Micro على الفاعلين فيها على المستويات الاجتماعية الثلاثة: الأصغر ( ). ومن أشكال هذا المزج نذكر، على سبيل المثال وليس Macro )، والأكبر ( Meso ( ) جمعت في الإطار Marie - Caroline Heïd الحصر، أن الباحثة ماري كارولين هيد ( النظــري لبحثهــا، المتعلق بظهور الممارســات المعاصرة في الصحافة التشــاركية، المقاربتين البنائية والنسقية -وهذه الأخيرة تتعارض في جوهرها مع البنائية- ونظرية ). وتوجه باحثو المدرسة النقدية، الذين يرتكزون في دراستهم 62 التعقد لكونها سببية( للميديا على نظرية الاقتصاد السياسي، إلى الاستعانة بالمقاربات السوسيولوجية التي ). والكل يعلم أن رواد هذه المدرسة يهمشون الجمهور 63 تركز على المستخدمين( في دراسة الميديا؛ إذ ظلوا يتحدثون باسمه ردحًا من الزمن. وفي دفاعه عن نظرية البراغماتية الثقافية في دراســة الميديا، يؤكد جيفري ألكســندر ) 64 ) أنها تجمع في آن واحد النموذجين، التأويلي والســببي( Jeffrey Alexander ( علمًــا بــأن النموذج الأول ينتمي إلى البراديغم البنائــي، وينتمي النموذج الثاني إلى ) على الأهمية المتبادلة David Myles البراديغم الوضعي. وأكد الباحث ديفيد ميليز ( .) 65 للإثنوغرافيا وتحليل الخطاب إن اجتمعا في دراسة الميديا في السياق الرقمي( . الآمال والمخاوف من الجيل الثالث في العلوم الاجتماعية 5 )، المختص في علم الاجتماع الرقمي، Dominique Bouillier يرى دومينيك بويي ( ، أن العلوم الاجتماعية والإنســانية مرّت بثلاثة " كوســموبلتيك " ورئيس تحرير مجلة

25 |

أجيال: الجيل الأول ظهر في أواخر القرن التاســع عشــر، وكان يعتمد على البيانات الناجمة عن التعددات السنوية التي تقوم بها الحكومات، ومؤسساتها المختلفة لمسح شامل للسكان أو شريحة منهم قصد رصد السلوك الفردي في المجتمع. بالطبع، إن هذه البيانات تلبّي بدرجة أساســية حاجة الدولة ومؤسســاتها خدمة لسياستها. وظهر لاستطلاع الآراء، " غالوب " الجيل الثاني في ثلاثينات القرن الماضي مع إنشاء مؤسسة وانطلاق عالم الاجتماع، بول لازرسفيلد، في إنجاز بحوثه الميدانية التي تعتمد على استطلاع الآراء بالاستناد إلى عينة تَمْثِيلِية لدراسة المجتمع. وكانت الحاجة إلى هذه البيانات وليدة الســوق والحياة السياســية الديمقراطية. أما الجيل الثالث فقد بدأ في الظهور منذ ثمانينات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية مستندًا إلى البيانات الكبرى )، وتعزّز بزيادة الاستخدام الاجتماعي للإنترنت نتيجة قيامه Big Data أو الضخمة ( بدراسة ما يخلّفه مستخدمو الإنترنت من آثار في إبحارهم عبر شبكة الإنترنت، وما تحتفظ به المواقع والمنصات الرقمية عن زوارها ومقدمي خدمة الإنترنت. علــى الرغم مــن المآخذ التي أُخِــذَت على هذا التصنيف لتطور العلوم الإنســانية والاجتماعيــة، مثــل الاعتماد على طبيعة البيانات وطريقــة جمعها بدل التركيز على )، إلا أن نورتجي اســتندت عليها في 67 الغايات المنشــودة من جمعهــا وتحليلها( إعداد خريطة مناهج البحث في الســياق الرقمي -كما سنرى لاحقًا- وعلى أساسها فتحت باب الحوار بين المقاربات البحثية (المقاربة بواسطة البنى التي اعتمدها علم الاجتماع الدوركايمي -المجتمع-، والمقاربة عبر الســوق -استطلاعات الرأي التي ) Memes تنجزها المؤسسة، مثل غالوب- والمقاربة عبر العدوى المباشرة للميمات ( .) Gabriel Tarde الرقمية والمحاكاة استنادًا إلى أطروحة عالم الاجتماع غبريال تارد ( أمــام دفــع العُدّة الرقمية إلى تحويــل المجتمع إلى كمية رهيبة مــن الآثار الرقمية ) تزايدت الخشية من أن تجر الخوارزميات إلى الاستغناء عن طرق Digital Traces ( التحليل العلمي التي كرســتها العلوم الإنسانية منذ نشأتها فأصبحت من المكتسبات المنهجية. فالعدد الهائل من الآثار الرقمية أصبح يشــمل مجتمعات البحث بأســرها التي يزيد عدد مفرداتها عن عشــرات الآلاف (الكلمات المفتاحية، الروابط الرقمية، التعليقات، الرسائل الإلكترونية، التفاعلات عبر أيقونة الإعجاب والرموز التعبيرية أو )، والتغريدات، وشرائط الفيديو، والصور، والبودكاسات، 68 () Emoji ( " الإيموجات "

| 26

...إلخ) والتي يتعذر تحليلها دون الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ناهيك عن البيانات التي تجمعها تطبيقات الجاسوسية لأغراض أمنية وتجارية، والميتا بيانات التي يتعذر ذوبان دراســة الميديا في المعلوماتية " جمعها يدويّا. لذا يتخوف بعض الباحثين من )، وتســتغني بالتالي عن الأدبيات النظرية التي تؤطرها. هذا ما يبشّر به 69 ( " والفيزياء إن زمن نظريات الســلوك البشري، من علم اللغة إلى " الباحث أندرســون في قوله: علم الاجتماع مرورًا بعلم النفس، قد ولّى، ولا حاجة إلى معرفة لماذا يفعل الناس ما يفعلونه، فالمهم أنهم يفعلون ذلك وكفى، ويمكننا متابعة ما يقومون به وقياسه بدقة .) 70 ( " وأمانة غير مسبوقة. فالبيانات موجودة وكافية، والأرقام تتحدث عن نفسها " قرصنة " تأسيسًــا على ما سبق، يمكن أن نتســاءل: هل البيانات الكبرى تعمل على ممارســات البحث فــي حقل علوم الإعلام والاتصال على غــرار ما تفعله بالعلوم )، أم إنها ستنقذ البحوث الإعلامية 71 الاجتماعية والإنسانية وفق ما ذهب إليه البعض( من أزمتها؟ ما زالت الإجابة عن هذا السؤال محل خلاف، فالبعض يعتقد أن التكنولوجيا الرقمية التي عاشتها في " الثورة الكمية " دفعت العلوم الاجتماعية والإنســانية إلى اســتئناف ). ويرى البعض الآخر أن البيانات الكبرى ستفعل 72 ستينات القرن الماضي وسبعيناته( -نســبة إلى جون فورد مالك شركة صناعة " الفوردية " بالبحوث الاجتماعية ما فعلته السيارات- في عالم الصناعة، نتيجة تنظيم العمل وإعادة تقسيمه أفقيّا وعموديّا وزيادة )؛ مما يعني أن هذه التكنولوجيا لا تُغيّر في طرائق الحصول على المعرفة 73 الإنتاج( فحسب، بل ستُغيّر حتى طبيعة هذه المعرفة. وتســتدعي البيانات الكبرى أيضًا فهم الاختلاف بين اســتراتيجيات البحث التقليدية وتلــك التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية، والخلاف الذي تثيره مختلف البحوث التي تعتمد على هذه التكنولوجيا، والسؤال عن مفعول العُدّة التقنية التي أنتجتها في توجيه البحث. ما يُبرّر هذا السؤال أن البيانات التي يعتمد عليها الجيل الثالث من العلوم الاجتماعية ) التي تضفي الطابع الميركنتلي 74 والإنسانية هي وليدة شركات المعلوماتية العملاقة( ) على الاتصال. لتوضيح هذه الفكرة، يمكن القول: إن وســائل Mercantilization ( الإعلام، خاصة الصحف العالمية الكبرى، قد تزوّدت، منذ أزيد من عشــرين ســنة، )، أي محركات البحث لقياس Metrics at Work ( " أدوات القياس أثناء العمــل " بـــ

27 |

" غوغل أناليتيكس " تفاعل الإنترنتيين مع المواد الصحفية المنشــورة عبر الخط، مثل )، والتــي أدت إلى ميلاد وظائف Chartbeat ( " شــارتبيت " ) و Google Analytics ( Community ( " مدير الجماعــات الافتراضيــة " جديــدة فــي قاعة التحرير، مثــل: ) وترقيتها في شــبكة SEO Manager )، ومســؤول فهرســة المحتويات ( Manager )، مثل محرك Infomediary الإنترنــت، والتعامل مع منظومة الوســاطة الإعلاميــة ( )، والتي أضحت عبارة عن مؤشر دال عن العلاقة Wikio ( " ويكيو " ، و " غوغل نيوز " بيــن ما تعرضه وســائل الإعلام وما يطلبه الجمهور/المســتخدم. والنتيجة أن هاته .) 75 المحركات كلها تتدخل في توجيه محتويات الصحف( إذا كانت البيانات التي تُقدّمها هذه المحركات مفيدة لوسائل الإعلام على الرغم من الخلاف الذي أثارته وتثيره وسط الصحافيين؛ حيث يعتقد الكثير منهم أنها تسهم في تســليعهم -تحوّلهم إلى سلعة- فإنها تظل غير كاملة بالنسبة للبحث العلمي لكونها .) 76 تكتفي بالتعبير عن ذاتها دون أن ترتقي لتصبح علامة أو قرينة بالمعنى السيميائي( وهنــا، تكمن إحدى الإشــكاليات المعرفية التي تطرحها العُــدّة التقنية على البحث الإعلامــي والمتمثلــة في اســتجلاء معاني الآثار التي يهتم بهــا الباحثون في علوم الإعلام أكثر مثل النقر على المواقع والنصوص والصور والفيديوهات والبودكاستات، والتعليقات " الإيموجي " والمواقــف منها المعبّر عنها بأيقونات الإعجــاب أو علامة والمشــاركات، والروابط الرقمية، وغيرها. إنها الآثار التي تنشــئ بها وحدات تشكّل الظاهرة الإعلامية والاتصالية المدروســة، والتي يبدو أن عائدها العلمي متواضع ما لم تُؤَوّل وتُسْــتَنْطَق ســيميائيّا حتى وإن ارتبطت بالمتغيرات المعهودة في البحوث الاجتماعية التقليدية. . اتجاهات البحوث الإعلامية في السياق الرقمي 2 في مناقشــتها لتداعيات التكنولوجيا الرقمية على البحث الاجتماعي، والذي يشــمل بالطبع بحوث الإعلام والاتصال، ومن أجل رســم خريطة لمناهج البحث، وظّفت ) مؤكدة أن Redistribution ) مفهوم إعادة التوزيــع ( 77 الباحثــة نورتجي ماريــس( الأدوار في ممارسة البحث العلمي وفق هذا المفهوم موزعة على طائفة متنوعة من " الفاعلين: الباحثين، والمبحوثين (موضوع البحث، المستخدمين)، والوسيط أو العُدّة التكنولوجية، وممولي البحوث. وبمفهومها هذا ســعت إلى تحديد المهارات، ومنح

| 28

السلطة والشرعية في البحث للفاعلين المذكورين. وعلى الرغم من إقرارها أن إعادة لصعوبة حصر مساهمة أي فاعل من الأطراف المذكورة " لزجة " التوزيع هذه مســألة في تجســيد مناهج البحث إلا أنها أدرجت الاســتراتيجيات البحثية المستخدمة في ،) Methods - as - usual ): المناهج التقليدية أو المألوفة ( 78 البيئة الرقميــة كما يلي( Virtual )، والمناهج الافتراضية ( Big Methods والمناهج الحاســوبية أو الكبــرى ( .) Digital Methods )، والمناهج الرقمية ( Methods تعــرّض هذا التصنيف إلــى العديد من الانتقادات، لعل أبرزها تلك التي تتقاطع مع النقد الموجه لتصنيف أجيال العلوم الاجتماعية والإنســانية المذكورة أعلاه، بمعنى أن هذا التصنيف يرتّب مناهج البحث في السياق الرقمي استنادًا إلى مستوى قدرات الأطراف الفاعلة في البحث: من الحد الأدنى (المناهج التقليدية) إلى الحد الأقصى، والتي تكشــف ضمنيّا عن التطور في عُدّة جمع البيانات وتحليلها متجاهلة أهداف ). ولــو أخذنا بعين الاعتبار النقد 79 البحــث التي تشــكّل قاعدة الفرز بين المناهج( الموجه إلى المناهج الافتراضية، والذي مفاده أنها ضرب من ممارســة الإثنوغرافيا عبــر الإنترنــت، بمعنى أنها ترحّل أدوات جمع البيانات وطرق التحليل الممارســة في البحث الإثنوغرافي التقليدي إلى البيئة الرقمية، فإننا نمحو الفرق بين ما تســميه الباحثة، نورتجي ماريس، بالبحوث التقليدية والبحوث الافتراضية. )، بأن التكنولوجيا أثّرت تأثيرًا 80 لقد أقرّ الباحثان، سيرج برولكس وجوليان رويف( المذكور " إعادة التوزيع " كبيــرًا على البحث العلمي، لكنهمــا لم يعتمدا على مفهوم النموذج " أعــ ه لوضــع خريطة لمناهج البحث في البيئة الرقمية، بــل وظّفا مفهوم ))، وهذا Max Weber ) بالمعنى الفيبري )نسبة إلى ماكس فيبر ( Idealtype ( " المثالي باحثًا متمرسًا في البحث الميداني 24 بناء على المقابلات المعمقة التي أجرياها مع في البيئة الرقمية في العديد من البلدان الغربية. ولا يقصدان بهذا النموذج أنه كامل أو الأفضل أو المرغوب أو الأكثر وفاء في تمثيله للواقع، بل يعني أنه يتضمن خصائص يمكن ملاحظتها أكثر من غيرها، ويجري التعبير عنها من خلال إنشاء تركيبي مجرد ). وعلى 81 يكشــف عن القواسم المشتركة للعناصر التي تشكّل الظاهرة المدروسة( هذا الأساس أعدّا خريطتهما لمناهج البحث في البيئة الرقمية، وتضمنت أربعة نماذج مثاليــة للمقاربات البحثية الكبرى، وهي: مناهج توافقية، وليســت كلاســيكية مثلما ذكرت نورتجي ماريس، ويُقسّمان هذه الأخيرة إلى صنفين: كمية وكيفية، والمناهج

29 |

الإثنوغرافية عبر الخط، والمناهج الحاسوبية المطبقة على البيانات الكبرى، والمناهج )، أي مناهج مختلطة؛ وهو (الاختلاط) ما يُجنّبها الاقتراب 82 الرقمية الكمية-الكيفية( مــن المناهج الحاســوبية أو التطابق معها. كما أن صفــة التوافقية التي أُطلقت على المناهج التقليدية يمكن أن تثير بعض الإشكال، وذلك لأنه يمكن أن تتضمن المناهج الحاســوبية التــي أضحت هي الأخرى مناهج توافقيــة، بمعنى أنها حققت نوعًا من الإجماع على توظيفها في جل أصناف البحوث العلمية وليس الاجتماعية والإعلامية فقط، وهذا على الرغم من أن بروتوكولات تطبيقها لم توحّد بعد، وربما لن تتوحد أصــً نظرًا لتنــوع المواضيع، وتطور العُدّة الرقمية، وتجدّد الممارســات وتشــذّر المستخدمين، وتعدّد الغايات الجزئية من إجرائها. . المناهج التقليدية أو "التوافقية" 1.2 تُــدْرَس الظواهــر الإعلامية والاتصالية في بيئة الويب بترســانة التقنيــات التقليدية (الملاحظة، دفتر التدوين، المقابلة، المجموعة البؤرية، صحيفة الاستبيان..). ويعتقد أصحابها أن التكنولوجيا الرقمية لم تغيّر أساليب البحث بل ما زالت مستمرة في البيئة الرقمية وتستمد شرعيتها من ماضيها، وإن لم يطعن الكثير من الباحثين في إجراءاتها المنهجية فبعضهم يشــير إلى أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مكانة الوســيط التقني في البحث، أي لم تول الاهتمام للفرص التي يتيحها هذا الوســيط في مجال الاتصال والإعلام والإكراهات التي يفرضها على المســتخدم. فتعاملت مع الموضوعات عبر الخط وكأنها تجري خارج شبكة الإنترنت تمامًا. ) ربما لعدم اســتخدامها للعُدّة 83 وتصف نورتجي ماريس هذه البحوث بالمحافظة( ). بالطبع، إن 84 التكنولوجية الرقمية في البحث أو اســتخدامها فــي الحدود الدنيا( لا يتحقق بقطيعة منهجية مع الممارسات " الميديا الاجتماعية " الانفتاح على دراســة الســابقة، بل يتأســس بناء عليها. لذا فالكثير من البحوث التي درســت المدونات الإلكترونية في بدايتها، سواء لفهم دوافع التدوين واهتماماته أو للكشف عن التباين في أســلوبه والأســلوب الصحفي المعروف والمعتمد، استعانت بالمناهج التقليدية ). وهذا لا ينفي القول: إن البحوث 85 مســتخدمة أداتي تحليل المضمون والمقابلة( التقليدية شــرعت في التحول والتكيّف تدريجيّا مع البيئة الرقمية منذ نهاية تسعينات .) 86 القرن الماضي(

| 30

. المناهج الحاسوبية 2.2 تســمى أيضًا المناهج المألوفة أو الكبرى، وتســتمد وجودها من العُدّة التكنولوجية (الكمبيوتر وبرامجه، وتطبيقات الإنترنت، ومحركات البحث)، وتُستخدَم في مختلف المجالات المعرفية. تقوم بالجمع الآلي للآثار التي يخلّفها مستخدمو شبكة الإنترنت والمنصات الرقمية وتُظهِرها في رســوم بيانية، وخرائط توضيحية وغرافية، وخرائط سحابية للكلمات. وتكشف عن العلاقات والآراء والمواقف والاتجاهات، وتستعين بالرياضيات من أجل نمذجة النشاط والسلوك البشري. نشــأت هذه المناهج في مخابر شــركات المعلوماتية الكبرى لتلبية حاجة الســوق، مثل: دراســة الأســواق، وعادات الاســتهلاك، والإعلان. لذا، فإنها تُســتخدَم في مختلف قطاعات النشاط الإنساني، ولا يمكن اختزالها في عملية الجمع الآلي للآثار الرقميــة فقط، بل تشــمل أيضًا تقييمها وتحليلها والأهــم التعلم منها، أي ما أصبح التطوير المتكرر لفهم " ) الذي يهدف إلى Machine Learning يُعرف بالتعلم الآلي ( مجموعــة البيانات والتعلم التلقائي لإدراك أنماط معقدة وبناء نماذج توضح وتتوقع .) 87 ( " مثل هذه الأنماط وظّفــت علــوم الإعلام، والعلوم السياســية، هذه المناهج، وتُســتخدم لمعرفة زوار المواقع الإلكترونية بشــكل أكثر تفصي ً، وأشــكال تفاعلاتهــم في مواقع التواصل الاجتماعــي، ومــدى تعددية مصادر الأخبار في وســائل الإعــ م، وآراء ومواقف .) 88 واتجاهات الناخبين، ومدى شعبية المترشحين...إلخ( لقد أثارت المناهج الحاسوبية الكثير من الجدل مقارنة ببقية أنواع المناهج المذكورة، خاصة في علوم الإعلام والاتصال، ولا شيء ينبئ بأنها ستتوقف في القريب العاجل. ،) David Gauntlett لقد رأى بعض الباحثين، ومنهم الباحث البريطاني، ديفيد غنتلت ( المناهج الحاسوبية بعيون متفائلة؛ إذ قدّر بأنها تُنقِذ بحوث الميديا، خاصة دراسات ). إن التفاؤل بارتفاع عدد البحوث التي تعتمد 89 الجمهور التي شهدت تراجعًا كبيرًا( على المناهج الحاســوبية لدراســة الجمهور يعود، بدون شك، إلى انخفاض كلفتها مقارنة بالبحوث التقليدية وســرعة إنجازها، لكن أيضًا بســبب كبر حجم مجتمعات البحث التي تدرسها، والتي قد تتجاوز الآلاف، ولكمية البيانات الضخمة التي توفرها؛ حيث لا تبلغها التقنيات التقليدية لجمع البيانات.

31 |

ويعتقد البعض أن قوة المناهج الحاســوبية تكمن في عدم اعتمادها على نظام العينة في دراســة الموضوعات الإعلامية، وبالتالي لا تُطرَح عليها مســألة تَمْثِيل المجتمع المــدروس. إنها تدرس كل الآثار الرقميــة التي يحتاجها البحث، لذا تكون نتائجها صحيحــة ودقيقة. لكن هذا الاعتقاد يجانب الصواب، لأن ما تدرســه قد يكون في " غياب الكل " الغالب غير محدود كما أن الآثار لا تتوقف عن التدفق كالسيل (ففي .) 90 يختفي اكتمال مجتمع البحث ويختفي معه تمثيله)( وتســتفيد المناهج الحاسوبية من اعتقاد راســخ بأنها أكثر موضوعية، وذلك انطلاقًا مــن تصــور مفاده أنه كلما زاد حجم الآثار المدروســة ارتفع منســوب دقة البحث ومصداقيته. وهذا خلافًا لدليل المقابلات البحثية الذي يقلّص كثيرًا شــريحة الواقع ). ويمنح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي -في 91 الذي على أساسه تُستنبط البيانات( جمع البيانات وتحليلها- البحث مصداقية أكثر، ويعطيه مشروعية أفضل من البحث الذي يُنجَز بالاعتماد على اللقاء المباشــر مع المبحوثين سواء من خلال المقابلات الفردية أو المجموعات البؤرية أو صحيفة الاســتبيان، والتي قد تشــوبها الذاتية. هذا .) 92 ( " توفر أعلى مســتوى من الفهم والمعرفة " علاوة على الإيمان بأن كثرة الآثار في الموضوعات الإعلامية " جديدة " والحقيقة أن المناهج الحاسوبية تكشف عن أبعاد والاتصالية لتيســير هذا الفهم، وهي الأبعاد الكامنة في خصائص البيانات الضخمة، ) في بداية V وقد حصرها البعض في ثلاث خصائص تشــترك في الحرف اللاتيني ( ) الذي يعنى ضخامة البيانات المتزايدة، والتي Volume )، وهي: الحجم ( 93 اسمها( )، أي تعدّد أشــكال الآثار والميمات Variety تجاوز حدود عينة الدراســة، والتنوع ( )، التي تُعد خاصية مستحدثة حقّا ولا يوجد ما Velocity القابلة للتحليل، والسرعة ( يعادلها في البحوث الكلاســيكية؛ إذ يُقصَد بهــا إيقاع توليد البيانات وفترة ظهورها )، وســرعة التقاطها وتحليلها. وقد أضاف البعض 94 في الشاشــات قبل أن تختفي( )، أي إمكانية التأكد Veracity لهــذه الخصائص خاصيتين أخريين، وهما: الحقيقية ( مــن واقعيتهــا ومن كونها ليســت وليدة عمليــة تزوير رقمي، كقيــام الخوارزميات )، ويقصد بهذه Value بإعــادة التوزيع الآلي والتلقائي لبعض التغريــدات، والقيمة ( الأخيــرة البيانــات التي تملك قيمة عملية في ظل تخمة الآثار الرقمية لتصبح خمس )، أي القابلية للظهور Visibility )( 96 ). وأُضيفت لها خاصية المرؤوئية ( 95 خصائص( ومشاهدتها، لتصبح ست خصائص.

| 32

لعل القول بأن المناهج الحاســوبية تقتــرح مقاربة جديدة للعلوم الاجتماعية وعلوم الإعــ م يعود إلى توظيفها للخصائص المذكورة أعلاه، التي تعتبر متغيرات تختلف عن تلك المعتمدة في البحوث التقليدية، والتي تكتفي بذاتها دون تقديم أي شــرح يســلّط الضوء على العلاقات الترابطية من أجل الكشــف عن التوجهات العامة دون ). لاستيعاب هذه الفكرة بشــكل جيد لابد من الإشارة إلى 97 الاهتمام بالأســباب( أن المناهج الحاســوبية تتعامل مع الآثار الرقمية أكثر من البيانات. وهل هناك فرق ) قائ ً: إن البيانات تُنَسّــق وتُهَيْكَل بطريقة 98 بينهما؟ بالطبع، يجيب دومنيك بويي( تُنْشِئ للمعلومات علاقة بالخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والسياسية لجماعــة مــا، بينما تُعد الآثار الرقمية، في تقديرنا، قرائن مخلّفات التعامل مع العُدّة الرقمية في حالتها الخام، لذا تُغطي الآثار واقعًا أكثر اتساعًا من البيانات. تأسيسًــا على الخصائص المذكورة أعلاه، هــل يمكن القول: إن هذه المناهج تقدّم نموذجًــا مــن البحث الأمبريقي الذي لا يتبع أية طريقة مألوفة في البحث في العلوم الاجتماعية والإنســانية؟ بمعنى أنها لا تســعى إلى التفســير من خلال الكشف عن العلاقة بين الظواهر والمتغيرات، ولا تعتمد على الفهم واستجلاء المعاني من أفعال الفاعلين وتأويلها نظرًا لأن الخوارزميات أصبحت تشكّل منهجًا قائمًا بذاته يُغْنِي عن .) 99 كل منهج من المناهج المعروفة( إن الإشــكال لا يتعلق بالخوارزميات في حدّ ذاتها، بل يتعلق بالمنطق الذي يتحكّم فيها، والآثار التي تشــتغل عليها، والتي يمكن تشــبيهها بالآراء في بعض الجوانب، ) عن الرأي العــام. لقد نفى هذا الأخير 100 فينســحب عليهــا ما قاله بييــر بورديو( وجود هذا الرأي كما تُفْصِح عنه استطلاعات الرأي انطلاقًا من اقتناعه بأن الآراء لا تتساوى، كذلك الأمر بالنسبة للآثار الرقمية فإنها لا تتساوى، لكن المناهج الحاسوبية تتعامل مع تفاعلات مســتخدمي موقع ما على أنها متكافئة؛ إذ تســاوي ضمنيّا بين كتابة تعليق على نص ما، أو منشور والنقر على أيقونة: أُحِبّ. لذا، فإن السباق إلى تقديــم أكبــر عدد من البيانات يصبح عديم الجــدوى دون تفكير ملائم فيما نجمع، )، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، ليس كل شــيء يقبل القياس 101 ولماذا نقيس( الكمي، بل إن هذا القياس قد يُفْقِد بعض الأشياء قيمتها، وأبرز مثال على ذلك هو ، فحمولتها الثقافية تؤدي الوظيفة ذاتها التي يقوم بها الاتصال غير اللفظي " الإيموجي " في الحياة اليومية. فلا معنى لإحصاء هذا الضرب من الاتصال، لأن قيمته في دلالته وليس في كميته.

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter