العدد 14 – مايو / آيار .2022

13 |

مقدمة ظل الســؤال ذاته يتكرّر منذ ثلاثة عقود: هل يمكن دراســة الميديا الرقمية بالمناهج وأدوات البحــث التقليدية التي اعْتُمِدت في عصر التكنولوجيا التماثلية؟ على الرغم مــن أن البحوث العديــدة والمتراكمة قدّمت ولا تزال تُقدّم الإجابة العملية عن هذا الســؤال إلا أن الجدل حوله ما زال قائمًا ويشــي بأن هامش الخلاف أوســع من الاختــ ف. لقــد أفرز هذا الجدل اتجاهين أساســيين: اتجاهًــا نظريّا ذا طابع عام، يتعلــق بدور التكنولوجيا والآليــات الرقمية في جمع البيانــات وتحليلها، وتأثيرها علــى البحث العلمي؛ حيث يعتقــد أصحاب هذا الاتجاه أن التكنولوجيا الرقمية لم تُحدِث تغييرًا في المجتمع فقط، بل غيّرت أيضًا ممارســة البحث العلمي وســتغيّر طبيعة العلوم الاجتماعية والإنســانية ككل. ومن المنتظر أن تُسهِم في تحقيق طموح الكثير من الباحثين الوضعيين الذين ســعوا، وما زالوا يســعون، إلى تقريب العلوم الإنسانية والاجتماعية التي توصف بالرخوة من العلوم الطبيعية التي توسم بالصلبة، Raymond ). فعالم الاجتماع الفرنسي، ريمون بودون ( 1 فتُكسِبُها المزيد من الشرعية( )، علــى ســبيل المثال، كان يعتقد بأن اعتمــاد العلوم الاجتماعية على لغة Boudon ). لكن بالتدريج حلّت كلمة الإحصائيات محل 2 الرياضيات يمنحها النضج العلمي( ) الذي Graphic كلمة الرياضيات. وها نحن اليوم، نشهد استبدال مصطلح الغرافيك ( يطبع المناهج الحاسوبية بهما، ويجرّ علوم الإعلام والاتصال إلى الانزياح من كونها علومًا تأويلية تســعى لاســتخلاص المعنى إلى الالتحاق بالعلوم التجريبية التي تروم استخلاص القواعد وتقديم التنبؤات. والاتجاه الثاني ذو طابع عملي، ويتعلق بالســؤال عن الجديد في مناهج البحث في مجال علوم الإعلام والاتصال، وعن مكانة قديمها في السياق الرقمي. فعلى الرغم من التغيير الكبير الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية في الحقول المعرفية إلى درجة أن Internet بعض الجامعات أنشأت تخصصًا جديدًا قائمًا بذاته أسمته دراسات الإنترنت ( )، إلا أن بعض الباحثين ما زال يعتقد بأن المناهج التقليدية ستظل فاعلة في Studies دراســة الميديا الرقمية طالما أن الملاحظة العلمية بشتى أنواعها ما زالت هي ذاتها، والمقابلات المعمقة لم تتغيّر كثيرًا عما كانت عليه قبل ميلاد شــبكة الإنترنت، وإن

Made with FlippingBook Online newsletter