211 |
تواجه اليوم الفترة الانتقالية تظل كبيرة، فالصراع السياســي والتشظي الاجتماعي في أوج قوته، كما أن التراجع الاقتصادي الكلي في أعلى معدلاته مع انعكاســاته على مستقبل الدولة وكيفية المحافظة على أمنها القومي ووحدة أراضيها في ظل السيولة الأمنية المفرطة والصراع السياسي والعسكري في أطراف البلاد. لقــد اعتبــر هنتنغتون أن العقبــات الاقتصادية أمام الانتقــال الديمقراطي في إفريقيا ) وكأنه 74 جنوب الصحراء الكبرى سوف تظل ساحقة في القرن الحادي والعشرين( يشير إلى السودان، وإن كانت إثيوبيا اليوم أيضًا تعيش مجموعة من الصراعات التي أصبحت تشكّل خطرًا على استمرار العملية الديمقراطية فيها، مثل الصراع السياسي الإثني، وكذلك الصراع العســكري في إقليم تيغراي وأزمة ســد النهضة. كما توقّع هنتنغتــون موجــة رابعة من الدمقرطة في القرن الحادي والعشــرين؛ إذ ذكر أن أهم عاملين سيؤثران في تعزيز الديمقراطية وتوسيعها في المستقبل سيكونان هما التنمية ). ويفترض الناس أحيانًا أن الإطاحة بالديكتاتورية 75 الاقتصادية والقيادة السياســية( تــؤدي إلى قيام الديمقراطيــة، والحقيقة أن الأنظمة غير الديمقراطية قد تحلّ محلها أنظمة أخرى غير ديمقراطية، كما أن العوامل التي تساعد في تغيير نظام غير ديمقراطي قــد تختلــف عن العوامل التي تــؤدي إلى قيام نظام ديمقراطي؛ فقد يؤدي الفشــل الاقتصادي لأي نظام شــمولي إلى تقويض ذلــك النظام، إلا أن النجاح الاقتصادي لأي نظام شــمولي قد يؤدي إلى وضع أســس نظام ديمقراطي أيضًا، والظروف التي تسهم في إقامة نظام ديمقراطي قد لا تسهم في ترسيخ دعائمه واستقراره على المدى .) 76 البعيد( . التوافق السياسي الشامل ومستقبل المؤسسة العسكرية 1.4 تأتي الفترة الانتقالية الحالية بشــكل مختلف كليّا عن الفترات الانتقالية السابقة التي شــهدها السودان، فســقوط نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير يختلف تمامًا عن سقوط نظام النميري ومن قبله عبود، وإن كان القاسم المشترك هو نجاح تلك الاحتجاجات الشعبية وإسقاطها لتلك النظم ذات الطبيعة العسكرية التسلطية، وإن كان الأخير أكثر حرية؛ فمن المعلوم أن نظام عبود لم تدعمه أية حاضنة سياسية، كذلك النميري في خواتيــم حكمه الذي انقلب على جميــع الأحزاب التي تحالف معها بداية بالحزب الشــيوعي وغيره من الأحزاب اليســارية، ومرورًا بالجماعات الإســ مية المختلفة.
Made with FlippingBook Online newsletter