العدد 14 – مايو / آيار .2022

| 212

لذلك عندما جرى إســقاط النظامين، أي نظام عبود والنميري، لم تشــهد الفترات الانتقالية التي أعقبتهما صراعًا سياسيّا بين تيارين أحدهما داعم للثورة والآخر مضاد لها، أو كما يحلو للتيار الأول تسميتهم بعناصر الثورة المضادة (الدولة العميقة). فنظام البشير خَلَفَه تيار سياسي ربما الأكثر تنظيمًا في العقود الأخيرة (حزب المؤتمر الوطني الجناح السياســي للحركة الإسلامية السودانية). فالحاضنة السياسية الحاكمة اليــوم، والمنــوط بها إخراج البلاد من هذا الوضع، تــرى أن المؤتمر الوطني وبقية الأحزاب السياســية الإســ مية الأخرى يجب القضاء عليهــا وإزالتها من الوجود، لذلك ســعت إلى شــيطنتها. هذا الإقصاء لا تمارســه تلك الحاضنة السياسية على الأحــزاب غيــر المنضوية تحت ائتلافها فقط، بل تمارســه فيما بينها، مما أدى إلى إضعــاف الحكومة وتشــظيها، وأصبــح العنوان البارز لذلك الائتــ ف هو الصراع ). فقد ذهبت تلك الأحزاب إلى أبعد من 77 نحــو المناصب والمحاصصة الضيقــة( ذلك عندما أصبحت تتلاوم فيما بينها على الهواء وتنســب فشــل تلك الحكومة إلى .) 78 مكوناتها، مثل عدم اكتمال هياكل السلطة وتحقيق العدالة الانتقالية( وقد ربط الأمين السياســي لحزب المؤتمر الشــعبي، إدريس ســليمان، نجاح الفترة نهج التوافق وإشراك الجميع بقدر الإمكان حتى تكون مرحلة " الانتقالية بالعمل وفق ). هذا النهج ذهب إليه حاكم إقليم دارفور، مني 79 ( " انتقالية آمنة ومثمرة ومســتقرة أركو مناوي، عندما دعا إلى مصالحة سياســية وطنية شــاملة لا تستثني أحدًا بما في ). ومن المفارقات أن حزب المؤتمر الوطني، الذي 80 ذلك حزب المؤتمر الوطني( اعتُبر لاحقًا من أشد المعارضين لحكومة عبد الله حمدوك، كان من أول الداعمين لها عندما جرى تشكيلها، فرئيس الحزب وقتها، إبراهيم غندور، أطلق عبارته الشهيرة )، حيث أكد دعمه للحكومة ومساندتها بهدف الوصول بها 81 ( " المعارضة المساندة " إلى الاســتحقاق الانتخابي. ولكن ســرعان ما جرى حلّ حزبه ومصادرة ممتلكاته ومقراته واعتقال قياداته والتضييق عليهم. نســتنتج مــن التجارب الســابقة أن الصراع السياســي دائمًا ما يدفــع ثمنه الجانب الاقتصادي، وســرعان ما يعقب ذلك تدخل المؤسسة العسكرية واستلامها للسلطة. عندما يخســر الساسة المدنيون في " ويقول الباحث الســوداني، حســن الحاج علي: الميدان السياسي، فإنهم يلجؤون لحلفائهم العسكريين كي يقوموا بانقلاب عسكري ويفرضوا واقعًا جديدًا. ويهدف الواقع الجديد إما لإضعاف الخصوم السياســيين أو

Made with FlippingBook Online newsletter