العدد 14 – مايو / آيار .2022

| 32

لعل القول بأن المناهج الحاســوبية تقتــرح مقاربة جديدة للعلوم الاجتماعية وعلوم الإعــ م يعود إلى توظيفها للخصائص المذكورة أعلاه، التي تعتبر متغيرات تختلف عن تلك المعتمدة في البحوث التقليدية، والتي تكتفي بذاتها دون تقديم أي شــرح يســلّط الضوء على العلاقات الترابطية من أجل الكشــف عن التوجهات العامة دون ). لاستيعاب هذه الفكرة بشــكل جيد لابد من الإشارة إلى 97 الاهتمام بالأســباب( أن المناهج الحاســوبية تتعامل مع الآثار الرقمية أكثر من البيانات. وهل هناك فرق ) قائ ً: إن البيانات تُنَسّــق وتُهَيْكَل بطريقة 98 بينهما؟ بالطبع، يجيب دومنيك بويي( تُنْشِئ للمعلومات علاقة بالخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والسياسية لجماعــة مــا، بينما تُعد الآثار الرقمية، في تقديرنا، قرائن مخلّفات التعامل مع العُدّة الرقمية في حالتها الخام، لذا تُغطي الآثار واقعًا أكثر اتساعًا من البيانات. تأسيسًــا على الخصائص المذكورة أعلاه، هــل يمكن القول: إن هذه المناهج تقدّم نموذجًــا مــن البحث الأمبريقي الذي لا يتبع أية طريقة مألوفة في البحث في العلوم الاجتماعية والإنســانية؟ بمعنى أنها لا تســعى إلى التفســير من خلال الكشف عن العلاقة بين الظواهر والمتغيرات، ولا تعتمد على الفهم واستجلاء المعاني من أفعال الفاعلين وتأويلها نظرًا لأن الخوارزميات أصبحت تشكّل منهجًا قائمًا بذاته يُغْنِي عن .) 99 كل منهج من المناهج المعروفة( إن الإشــكال لا يتعلق بالخوارزميات في حدّ ذاتها، بل يتعلق بالمنطق الذي يتحكّم فيها، والآثار التي تشــتغل عليها، والتي يمكن تشــبيهها بالآراء في بعض الجوانب، ) عن الرأي العــام. لقد نفى هذا الأخير 100 فينســحب عليهــا ما قاله بييــر بورديو( وجود هذا الرأي كما تُفْصِح عنه استطلاعات الرأي انطلاقًا من اقتناعه بأن الآراء لا تتساوى، كذلك الأمر بالنسبة للآثار الرقمية فإنها لا تتساوى، لكن المناهج الحاسوبية تتعامل مع تفاعلات مســتخدمي موقع ما على أنها متكافئة؛ إذ تســاوي ضمنيّا بين كتابة تعليق على نص ما، أو منشور والنقر على أيقونة: أُحِبّ. لذا، فإن السباق إلى تقديــم أكبــر عدد من البيانات يصبح عديم الجــدوى دون تفكير ملائم فيما نجمع، )، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، ليس كل شــيء يقبل القياس 101 ولماذا نقيس( الكمي، بل إن هذا القياس قد يُفْقِد بعض الأشياء قيمتها، وأبرز مثال على ذلك هو ، فحمولتها الثقافية تؤدي الوظيفة ذاتها التي يقوم بها الاتصال غير اللفظي " الإيموجي " في الحياة اليومية. فلا معنى لإحصاء هذا الضرب من الاتصال، لأن قيمته في دلالته وليس في كميته.

Made with FlippingBook Online newsletter