العدد الثاني من مجلة لباب

201 |

نحو تبني ثقافة الانحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبلات في الوطن العربي

تميـزت ظاهـرة التفكيـر الإنسـاني فـي المسـتقبلات، عبـر الزمـان، بخاصيـة التجـدد؛ فتعاقـب انتقـال الإنسـانية مـن واقـع مـا قبـل الحضـارة إلـى واقـع الحضـارة بموجاتهـا الزراعيـة والصناعية ـا، ف ـي ً والمعلوماتي ـة، أفضـى إل ـى أن تكـون أنمـاط وآلي ـات التفكي ـر ف ـي المسـتقبلات انعكاس اء هـذه العلاقـة اقتـرن َّ العمـوم، لنوعيـة الواقـع الحضـاري السـائد فـي الزمـان والمـكان. وجـر ـا بـالله ّ ً ، ثـم توحيدي ً ـا أو ّ ً ـا غيبي ّ ً هـذا التفكيـر بأربعـة تحـولات أساسـية متلاحقـة؛ فـكان ديني ـا ّ ً ـا ليصبـح علمي ّ ً علمي ً ا، وبعـد ذلـك صـار خيـا ّ ً ـا، ثـم أضحـى فلسـفي ً سـبحانه وتعالـى لاحق .)2( منـذ منتصـف القـرن الماضـي اعـه، والأوطـان سـاحة لبانورامـا َّ ولعـل مـن حسـنات القـدر، أن البشـر، مـادة التغييـر، هـم صن الأداء المتواتـر الحلقـات. كذلـك، فـإن المسـتقبلاتصناعـة بشـرية تختـرق حجـب الغـد بعقـول ). مــن هنــا، فــإن الاهتمــام الإنســاني بالمســتقبلات لا يقــف عنــد حــد 3( وســواعد البشــر القناعـة بق ـدرة الإنسـان عل ـى استشـرافه، وإنم ـا يمت ـد إل ـى الاعتق ـاد بقدرت ـه عل ـى صناعت ـه، ت فـي وقتهـا مسـتحيلة َّ ـد ُ ا مـع أفـكاره وإرادتـه. ويحفـل التاريـخ بأمثلـة علـى أشـياء ع ً اتسـاق .)4( ـا ً ولكنهـا تحققـت لاحق ـل الحلقـة ِّ إن مفهـوم المسـتقبل مـن الناحيـة اللغويـة ابتـداء يعنـي «الآتـي بعـد الحـال»، أي إنـه يمث )؛ إذ إن المسـتقبلات 5( ـطها الحاضـر َّ الأخيـرة فـي السلسـلة الزمنيـة التـي تبـدأ بالماضـي ويتوس ـم لفتـرة مقبلـة فـي ضـوء تفاعـل مجموعـة مـن المتغيـرات الحاضـرة َ س ْ ر ُ ـى بالصـورة التـي ت َ ن ْ ع ُ ت الت ـي ق ـد تتداخـل م ـع المعطي ـات السـابقة لتشـكل بذل ـك ملام ـح لتل ـك الصـورة المرسـومة .)7( ) لمواجهـة مـا يكتنـف تلـك الصـورة مـن تحديـات ومخاطـر مسـتقبلية 6( ً مسـتقب لق ـد أك ـد المس ـتقبلي العرب ـي الرائ ـد، قس ـطنطين زري ـق، أن خاصيت ـ أساسـيتين تزامنت ـا م ـع الإنسـان عبـر مراحـل تطـوره الحضـاري، وتمتعتـا بتأثيـر مهـم فـي تحديـد موقفـه مـن المسـتقبل. أولهم ـا خاصي ـة التذك ـر، بمعن ـى التلف ـت إل ـى م ـا كان، أي إل ـى الماضـي. وأم ـا الثاني ـة فه ـي خاصيـة التشـوف، بمعنـى التطلـع إلـى مـا سـيكون، أي إلـى المسـتقبل، ورأى أن الأولـى تجعـل . )8( ـا بـه ً م ِّ ك َ ح َ ت ُ ـا بالماضـي، والثانيـة تفضـي إلـى أن يكـون م ً الإنسـان محكوم

Made with FlippingBook Online newsletter