AFAQ - issue 47

حديقة آفاق

حديقة آفاق

اختارها لكم: الدكتور قيصر كباش

نصائح الأب

هممت بســؤال كل من مر بجانبي أحقاً مات ابي؟؟؟ أحقاً رحل ولن يعود؟؟؟ رحيلك مُر يا أبي لو كنــت أعلم أنك ســ حل لكنت تقربت منــك أكثر وتزودت من برك بما قد ينفعني بعد وفاتك. ليتك تسمعني الآن لأخبرك أنّ فراقك ينتزع روحي من جســدي، ويقذف بي إلى أعماق المجهول.

وما أن وقفت عند أول الشارع حتى رأيت ازدحاماً أمام عمارتنا!! اقتربت بحذر وضربات قلبي تضرب بعضها بعضاً.. فتلقاني جاري باكيا واحتضنني قائلاً: عظم الله أجرك في أبيك. تســمرت قدماي في الأرضولم تعد تقوى على حملي. ضاعــت فرحتي واســودت الدنيا في وجهي.. وبدأت الارضتدور من حولي..

حِكَم وأقوال تركــت لهم ملفــاً كامــً يحوي شهادتي وخرجت مسرعاً وخطواتي تسابق بعضها بعضاً للحاق بقلبي الذي سبقني فرحاً إلى البيت. تمنيــت لــو ركبت بســاط الريح لأعود إلى بيتي وأحتفل معه بفوزي بالوظيفة الجديدة. حرصه على مقدرات الشركة، فكنت أنت الشــخص الوحيد الذي سعى لإصلاح كل عيــب تعمدنا وضعه في طريق كل متقدم، وقد تم توثيق ذلك من خلال كاميرات مراقبة وضعت في كل أروقة الشركة. حينها فقط اختفت كل الوجوه أمام عيني ونســيت الوظيفة والمقابلة وكل شئ ... ولم أعد أرى إلا صورة أبي !!! ذلك البــاب الكبير الــذي ظاهره القسوة ولكن باطنه الرحمة والمودة والحب والحنان والطمأنينة. شــعرت برغبة جامحــة في العودة إلى البيــت والإنكفــاء لتقبيل يديه وقدميه. لماذا لم أر أبي من قبل؟؟؟ كيف عميت عيناي عنه ؟؟؟ عن العطاء بلا مقابل ... عن الحنان بلا حدود ... عن الإجابة بلا سؤال ...

اليوم ســأجري المقابلة الشخصية الأولى في حياتي للحصول على وظيفة مرموقة في إحدى الشركات الكبرى. وإن تم قبولي فســأترك هــذا البيت الكئيب إلى غير رجعة وســأرتاح من أبي وتوبيخه الدائم لي. استيقظت في الصباح الباكروهممت بالخروج فإذا بيــدٍ تربت على كتفي عند الباب. التفــت فوجدت أبي متبســماً رغم ذبول عينيــه وظهور أعراض المرض جلية على وجهه.... وناولني بعض النقود وقال لي أريدك أن تكون إيجابيا واثقا من نفسك ولا تهتز أمام أي سؤال. تقبلــت النصيحــة عــ مضض وابتسمت وأنا أتأفف من داخلي، حتى في هذه اللحظات لا يكف عن النصائح وكأنه يتعمد تعكير مزاجي في أسعد لحظات حياتــي. خرجت من البيت مسرعا واســتأجرت ســيارة أجرة وتوجهت إلى الشركة. ومــا أن وصلت ودخلت مــن بوابة الشركة حتى تعجبت كل العجب !!! فلم يكــن هناك حــراس عند الباب ولا موظفو اســتقبال سوى لوحات إرشادية تقود إلى مكان المقابلة. وبمجرد أن دخلت من الباب لاحظت أن مقبض الباب قد خرج من مكانه وأصبح عرضة للكسر إن اصطدم به أحد. فتذكرت نصيحــة أبي لي عند خروجي من المنزل بأن أكون إيجابيا، فقمت عــ الفور برد مقبض الباب إلى مكانه وأحكمته جيدا. ثم تتبعت اللوحات الإرشادية ومررت بحديقة الشركة فوجــدت الممرات

هذا ما يفعله دعاء والديك إليك

على اسمي للدخول. دخلت غرفة المقابلة وجلســت على الكــرسيفي مقابل ثلاثة أشــخاص نظروا إلي وابتسموا ابتسامة عريضة ثم قال أحدهم متى تحب أن تســتلم الوظيفة ؟؟ فذهلت لوهلة وعــادت نصيحة أبي بألا أهتز وأن أكون واثقا من نفسي. فأجبتهــم بكل ثقة: بعــد أن أجتاز الاختبار بنجاح ان شاء الله. فقال آخر لقد نجحــت في الامتحان وانتهى الأمر. فقلت ولكن أحدا منكم لم يســألني سؤالا واحدا !!! فقال الثالث نحن ندرك جيدا أنه من خلال طرح الأسئلة فقط لن نستطيع تقييم مهارات أي من المتقدمين. ولذا قررنا أن يكون تقييمنا للشخص عمليا ... فصممنا مجموعة اختبارات عملية تكشــف لنا ســلوك المتقدم ومدى الإيجابيــة التي يتمتــع بها ومدى

غارقة بالمياه التــي كانت تطفو من أحــد الأحواض الذي امتــ بالماء الى آخره، فتذكرت تعنيف أبي لي على هدر المياه فقمت بســحب خرطوم المياه وإغلاق الصنبور. ثــم دخلــت مبنى الشركــة وخلال صعــودي على الــدرج لاحظت الكم الهائل من مصابيــح الإنارة المضاءة فقمت لا إراديــا بإطفائها خوفا من صراخ أبي الــذي كان يصدح في أذني أينما ذهبــت. إلى أن وصلت إلى الدور العلــوي ففوجئــت بالعــدد الكبير من المتقدمين لهــذه الوظيفة قمت بتسجيل اسمي وجلست أنتظر دوري ثم لاحظت أن كل من يدخل المقابلة لا يلبث أن يخرج في أقل من دقيقة. فتذكــرت نصيحة أبي وأنا خارج من البيت أريدك أن تكــون إيجابيا واثقا من نفســك فمكثــت منتظرا دوري وكأن كلامه قد أعطاني شحنات ثقة بالنفس غير عادية . ما هي الا دقائق فإذا بالموظف ينادي

• قالوا عن موت الوعي نوم، وقالوا عن موت الجســد وفاة، ولم يسموا موت الضمير لأنهم لم يجدوا له اسما يليق بفظاعته وشناعته. • خير الأصحاب: إذا ضحكت لك الدنيا لم يحسدك، وإذا عبست لم يتركك. • طيبة الأب أعــ من القمم وطيبــة الأم أعمق من المحيطات

• لا فائدة من قبلة اعتذار على جبين ميت غادر الحياة.. اســتلطفوا بعضكم وأنتم أحياء.. امحِ الخطأ لتستمر الأخوة.. ولا تمحُ الأُخوة من أجل الخطأ. • الأشخاص الذين تسقط دموعهم سريعاً عند مواقف الحزن والفرح والرأفة هم الذين يملكون قلوباً تســع الكون بالطيبة والحنان.

61

60

47 - العدد 2021 أغسطس

47 - العدد 2021 أغسطس

Made with FlippingBook - Online Brochure Maker