العدد 15 – أغسطس آب 2022

73 |

مقدمة تثير حرية المعتقد إشكاالت عديدة أكثر من أي نوع آخر من الحرية، فقد كان حق اإلنسان في اعتناق المعتقد الذي يختاره أمرًا غير مسلَّم به، بالنظر إلى التعصب الذي يُواجَــه بــه هذا االختيار حين يكون مختلفًا عن اختيار البيئة المحيطة به وكأن الحق فــي االعتقاد ممارســة جماعية ال فردية؛ إذ تــرى الجماعة أن اعتناق فرد ما لمعتقد أو مذهــب أو أيديولوجيا مختلفة، يشــكِّل خطرًا عليهــا ويمس بمعتقداتها. ويصبح المعتقد نفسه -من وجهة نظرها- في خطر، بسبب تفضيل فرد منها لمعتقد مخالف؛ مما يستدعي دخول عناصر أخرى على المعادلة لتتوازن، وتتمثَّل بشكل أساسي في المعرفــة أو الوعي، أو إعمال الفرد والجماعة لخاصية التفكير الذي يقود إلى منطق التوازن في تناول أي حدث جديد. كل مكســب في المعرفة، " ،) Isaiah Berlin يقول المُفكِّر اإلنجليزي، أشــعيا برلين ( يُحرِّرني على صعيد ما، ويزيد على المستوى اإلجمالي للحرية، التي أتمتع بها؛ في حالة ما إذا كانت المعرفة تعني ما قصَدَه التعريف الكالســيكي، أي معرفة الحقائق، ). بهذا تصبح الحرية مســألة معرفية، تقوم إلى جانب وظيفة 1 ( " ال معرفة ماذا نفعل المعرفة المباشرة، بوظيفة أهم منها، وهي تحرير الوعي الذي استفاد من نقاش عُمره عشرات القرون، حول اإلنسان ونتاج عقله من فكر وفلسفة وعلم، والمعتقدات محل إيمانه الديني أو الروحي، أو ما يعتنقه من أيديولوجيات، أو أنماط تفكير أو حياة. من خالل ذلك، يمثِّل التوســع في المعرفة ســعيًا نحو توسيع درجة الحرية التي أتاحتها هــذه المعرفــة، ودورها في حماية حرية اآلخر أيضًا كـ(أنا) أخرى مغايرة. وتكريس التسامح أساس البد منه ألية عالقة بين إنسان وآخر، وبينهما مع المحيط كيفما كان، وموقع اإلنسان داخله. في هذا الســياق، لعل حرية المعتقد أبرز ما يتحدَّى المعرفة بضرورة التســامح مع اآلخــر في عالقته مع الحرية، واإلقرار بها فع ًل وقو ًلً، وهي التي تتجه الدول حثيثًا نحو إقرارها واحترامها، ويتجه مزيد من األفراد إلى مقاومتها، في مفارقة الفتة، مع ما نراه من انتكاسات تميل إلى التعصب في انتمائها العقائدي، من فئات ترفض هذه الحرية، لحماية معتقداتها -حسب رأيها-، فيُصبح الخوف من فقدان اإليمان بمعتقد،

Made with FlippingBook Online newsletter