العدد 15 – أغسطس آب 2022

| 74

أقوى من اإليمان به في زمن يكاد يستحيل فيه التحكُّم في االنتماء العقائدي لألفراد، مع تحوُّل العالم إلى بيت صغير تُضيئه المعرفة. لعلها ال تشــكِّل ســوى محاولة من الفرد في عالقته غير المتوازنة مع المؤسسات، بالتمسك بما يجعله مرئيًّا، أو بممارسة حريتــه فــي رفض المعتقدات العامة، حتى ولو كانت هــذه المحاولة صائبة وتخدم مصلحــة الجميع، لكنها تبقى محاولة تفتقد الوعي بمجاالت الحرية وحدودها، من أفراد لهم معرفة محدودة، بالنتيجة تكون رؤيتهم للحرية ضيقة للغاية. يقتنع البعض بأن ممارسة غيره لحقه في حرية اعتناق معتقد آخر مخالف لمعتقد أفراد مجتمعه هو خطر عليه واســتفزاز له واستهداف لهويته، وهذا يترجم شعورًا بالنقص إزاء اآلخر. ومن أهم األمثلة على ذلك نظرية المؤامرة ضد الدين اإلسالمي التي يُبعِد المؤمنون بها أي دور لألســباب الذاتية فيما يعرفه المسلمون من نكوص، ويربطون كل السلبيات التي يعرفها واقعهم بما يقوم به الغرب من سياسات، وكأنه يفعل ذلك ) دون أن يتم األخذ بعين االعتبار أن ما 2 كله بهدف محاربة اإلســ م والمســلمين( ينتجه هذا الغرب موجه لمجتمعه أوًلً، ثم لباقي المجتمعات، بفعل تهاوي الحدود وانفتاح العالم تحت تأثير العولمة. في هذا التفســير، يُصبح المســلمون مركز العالم، وما يفعله اآلخرون هو محاربتهم باختراع كل مظاهر الحياة التي يرى هؤالء أنها معادية لقيم الدين اإلســ مي. ولعل التنميط الذي تمارسه العولمة الرأسمالية بالكثير من العنف مُحرِّض محوري لقطاعات كبيرة من األفراد للجوء إلى ما يعتقدون أنه دفاع عن هويتهم، في مواجهة ما يعدونه يصيب انتماءهم وثقافتهم. " اعتداء " -بحق أو بغير حق- تحاول هذه الدراســة رصد جدل حرية المعتقد بين العقل والواقع، في ســياق يتباين بيــن دعوات التعايــش الديني، والميل للتعصب. وال يمكــن حصر هذا التوجه في أعضاء التنظيمات التقليدية أو المتشــددة ذات المرجعية اإلسالمية، التي ترفض قيم المجتمع الحديث وقوانينه وقواعده فحسب، بل هي ظاهرة عالمية نجدها لدى عدد من الطوائف المســيحية، خاصة في دول معينة مثل الواليات المتحدة وبعض أقطار أوروبــا الغربيــة، أو لدى اليهود وما نراه من تنظيمات متطرفة، كانت إلى عهد قريب تفرض منع النساء من المشي في الشارع نفسه الذي يمشي فيه الرجال، في مجموعة من األحياء التي يقطنها متشددون ينتمون لجماعات يهودية يمينية متطرفة، في مناطق جغرافية عديدة مثل الواليات المتحدة.

Made with FlippingBook Online newsletter