79 |
مثَّل هذا االقتناع حركة متواصلة في الزمن، بالنظر إلى أن ابن خلدون قال قبل قرون: إن البشر ال يمكن حياتهم ووجودهم إال باجتماعهم، وإذا اجتمعوا دعت الضرورة " إلــى المعاملــة، واقتضاء الحاجات، ومد كل واحد منهم يده إلى حاجته بأخذها من صاحبــه، لما في الطبيعــة الحيوانية من الظلم والعدوان بعضهم على بعض. فيمانعه اآلخر عنها -حاجته- بمقتضى الغضب واألنفة، وبمقتضى القوة البشــرية في ذلك، فيقع التنازع المُفضِي إلى المقاتلة، واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع الذي يتمثَّل .) 10 ( " في الحاكم عليهم، وهو بمقتضى الطبيعة البشرية، الملك القاهر المتحكِّم فالمبدأ إذن هو الوازع. وال يوجد مبدأ يضم كل المبادئ ويحققها قدر مبدأ الحرية، الذي ينبغي أن يتجسد في قوانين تضمن له الحماية. لكن قبل ذلك يجب أن يحضر كل مــن الوعــي والمعرفة لدى الفرد العــادي؛ ألنه وعاء الحريــة ووعاء المعرفة. والمعرفة المقصودة في السياق هي معرفة محيطة بالعلوم اإلنسانية والتفكير الفلسفي في أســاليب الحياة، ال المعرفة التي تقتصر على العلوم الحقة الجامدة، البعيدة عن العلوم اإلنســانية التي تمنح الكائن اإلنساني إمكانات للتساؤل والنقد والتشكيك بما يجعله قادرًا على إنتاج ثقافة تنويرية وبناء أطروحاته على أســس عقالنية تتفاعل مع توجــد نماذج عنيفة للتعصــب الديني والمذهبي، الذي عرفته المنطقة العربية، مطلع ، فقد 2003 القــرن الحادي والعشــرين، خاصة بعد االحتالل األميركــي للعراق عام انطلقــت بعده موجــة من الحروب الطائفية في المنطقــة. وهو الصراع الذي جرى الدولة " نقلــه إلــى أقطار أخرى في مرحلة الربيع العربي، حين ظهر ما يعرف بتنظيم ، ليتخــذ منحى أكثر دموية لم يســلم منه حتى المنتمــون لنفس الدين " اإلســ مية والمذهب، ناهيك عن معتنقي ديانات أخرى، الذين تعرض بعضهم لما يشــبه حملة إبادة، رافقها انتشــار كثيف آلراء فقهية متشــددة. وقد أخذ التعصب شــكل حركات متطرفــة اعتمدت اإلرهــاب أداة لتصفية المختلفين معها من المســلمين والديانات واأليديولوجيات األخرى. إن الوعي مع كل ما يحدثه من تغيير في أنماط التفكير والسلوك، ال يمنع من استثارة التعصب تجاه معتقد أو مذهب لما للطبيعة البشرية من ميل إلى تضييق األفق، حين معطيات الواقع بشكل بناء. . التعصب وحرية المعتقد 1.4
Made with FlippingBook Online newsletter