ًمــــشـــبـــك الـــورق: بدأت صدفة فصارت رمزاً قوميا كلنا نعرف ذلك السلك الملفوف على بعضه بشكل بيضوي كما أن معظمنا يستخدمه بشكل يومي أو شبه يومي، حتى أنك لو اطلعت على زاوية العلوم فاكهة الحياة التي بين يديك ستجده مستخدماً في كل عدد أكثر من مرة.
قد يكون مشبك الورق أبسط ابتكار في تاريخ الصناعة، فهو مجرد سلك معدني يلتف بشكل بيضوي على نفسه مرتين، ولكن أهمية هذا الابتكار تتجاوز الحاجة المباشرة إليه، خصوصاً في الأعمال المكتبية التي تستدعي جمع بعض الأوراق بعضها إلى بعض لوجود صلة بينها، إذ ارتقى هذا الابتكار إلى مضمار الرموز القومية في موطنه الأول النرويج. والواقع أن مشبك الورق هذا لم يظهر دفعة واحدة، بل هو حصاد تطور بطيء يُعتَقد عزو نسبه إلى مُبتكر معين، فقد سجل شخص يدعى ماتيو سكولي ابتكاره لمشبك ورق يشبه إلى حد ما المشبك المعروف اليوم، ويتألف من دائرة معدنيه واحدة ذات ساق، وحتى ماتيو هذا لم يكن المُبتكر الأول لأنه أشار بنفسه إلى وجود مبتكرات مشابهة سعت إلى الغاية نفسها، كما أن النرويجي جون فاليير الذي عرف بأنه كان مخترعاً منذ صغره، كان قد سجل ابتكاره لمشبك الورق الذي يلتف على نفسه مرتين، أما الأدق من حيث المقاييس والوزن فهو من ابتكار سكولي، حيث جاءت فكرة فاليير صدفة أثناء ثنيه لسلك معدني في مختبره، حيث يعمل مهندساً للإلكترونيات، ولأن النرويج كانت تفتقر آنذاك إلى قانون لتسجيل براءات الاختراع، فقد سجل فاليير م، كما أن النرويج لم تصنع ابتكار ابنها، 1899 اختراعه في ألمانيا وأمريكا سنة بل تولت مصانع جيم الإنجليزية هذه المهمة، وكفلته بشيء من التعديل ليظهر على شكله النهائي الذي نعرفه اليوم، ولكن الآلة التي كانت تُنتج هذه المشابك في مصانع جيم لم تكن إنجليزية بل مستوردة من مصانع "ميدل بروك" الأمريكية. وظلت مشابك الورق تصنع من سلك معدني، ولمواجهة الصدأ الذي كان يظهر على هذا السلك، عمدت بعض المصانع (ومنها مصانع جيم) إلى تغليف السلك بالبلاستيك الملون، أو حتى إنتاجه كله من اللدائن المقواة. وعلى الرغم من أن ظهور هذا الابتكار وتصنيعه تطلب تعاوناً عالميا على الرغم من بساطته، فإن النرويج أسبغت هويتها عليه، وتبنته واحدا من رموزها الوطنية؛ فخلال الاحتلال النازي لهذه المملكة الشمالية، علق المواطنون فيها مشابك الورق على ياقات ملابسهم رمزاً لاعتزازهم بهويتهم القومية، وأزيح الستار عن نُصب قرب العاصمة أوسلو، يمثل أكبر مشبك ورق في العالم تقديراً لمبتكره فاليير، وقد صنع المشبك العملاق من الحديد كيلوغرام. 600 أمتار، ووزنه نحو 7 وبلغ ارتفاعه لعل تاريخ مشبك الورق يثبت أن الحاجة الماسة للابتكار هي التي تكسبه الأهمية، وتنقله من مجرد صدفة أو فكرة بسيطة إلى الميادين العالمية، بل وميادين الرموز الوطنية كما في مشبك الورق. 39
يلوم الناسظروفهم على ما هم فيه من حال.. ولكني لا أؤمن بالظروف، فالناجحون في هذه الدنيا بحثوا عن الظروف التي يريدونها، فإذا لم يجدوها صنعوها بأنفسهم.
برنارد شو
Made with FlippingBook Learn more on our blog