تعدّ دراسة تفاعل الأبعاد الجغرافيّة والتاريخيّة والحضاريّة بين الخليج العربيّ، ومنطقــة القــرن الإفريقي بمثابــة اختبار لفرضية المعطيات الثابتــة في مبدأ العمق الاستراتيجيّ التي نادى بها أحمد داوود أوغلو، وإمكانية توظيف الجغرافيا والتاريخ والحضارة، باعتبارها معطيات ثابتة، في بناء العمق الاستراتيجيّ الخليجيّ في القرن الإفريقــي، وبناءً على ذلك يغطي الفصل ثلاثة محــاور: الأبعاد التاريخيّة والأبعاد الجغرافيّة وأثرها على سير العلاقات السياسيّة والحضاريّة والاقتصاديّة بين الطرفين، والأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة وتأثيراتها على تطورات سير الأحداث في القرن الإفريقي، وأهمية تفعيل التواصل الحضاريّ والثقافيّ المتبادل بين الجانبين. أو ً: البعد الجغرافيّ والتاريخي تسهم دراسة المقاربات التاريخيّة والجغرافيّة في فهم وتفسير تعقيدات العلاقات الدوليّة في النظام العالميّ، وبمعنى آخر لا يمكن فهم وتفسير سير العلاقات الدوليّة ومعالجتها من دون اللجوء إلى النواحي الجغرافيّة والتاريخيّة والحضاريّة والاقتصاديّة بين المناطق المختلفة، التي تساعد على تفسير الأحداث السياسيّة. ولهذا تأتي أهمية دراسة المقاربات التاريخيّة للأبعاد الجغرافيّة لإقليم القرن الإفريقي، بغرض التعرف على تأثيراتها في بناء العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة والحضاريّة بين الطرفين. ومن خلال دراســة هذا التفاعل الذي فرضتــه الجغرافيا والتاريخ في بناء العلاقات بين الخليــج العربــيّ ومنطقة القرن الإفريقي، يمكن أن تتضح لنا الفرص ونقاط القوة، التي تتمتع بها منطقة القرن الإفريقي، بالنسبة لدول الخليج العربيّ. أســهمت العوامل الجغرافيّة والتاريخيّة في تشــكيل وبناء العلاقات السياسيّة والاقتصاديّــة والحضاريّة بين الخليــج العربيّ وبلدان القرن الإفريقي المختلفة منذ القــدم، وتؤثــر هذه العوامل في كثير من الأحيان بصورة مباشــرة في تســيير هذه العلاقات إيجابًا أو ســلبًا. ويبدو أن هذا التفاعل الجغرافي بدأ كما قلنا منذ أزمنة بعيــدة بحكــم الجوار الجغرافي، على البحر الأحمر، وازداد بعد ظهور البترول في
29
Made with FlippingBook Online newsletter