القرن الإفريقي عمقًا استراتيجيًّا خليجيًّا

بالمقابــل، هــل يمكن للنخب الحاكمة في دول الخليــج أن تتجه، كنظام إقليمي، نحو القرن الإفريقي، أم أنها ستظل تتحرك كوحدات سياسية متعددة وذات مصالح وأهداف مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان؟ لقد كانت استراتيجية هذه الدول في السابق أن أمنها القومي كل لا يتجزأ، وأن أي تهديد لها في خليج العقبة أو مضيق هرمز أو قناة الســويس هو تهديد لها جميعًا، بل لكل الدول العربية. ولكن الراهن السياسي في منطقة الخليج لا يدل على هذا، إلا أن هناك من الباحثين (ومن بينهم صاحب هذا الكتاب) من يعتقد أن تغيرات كثيرة قد جرت في منطقة الخليج، وأن بعض النخب الحاكمة فيها قد بدأت تبلور رؤية جيوسياســية ترتكز على العلاقات التاريخيــة والصــ ت الحضارية التي تربطها بالقرن الإفريقي. وأن هذه الرؤية تجد تجاوبًا ملموسًا في الجانب الإفريقي، ما لم تحبطه القوى الغربية الكبرى - أو قوى إقليمية مثل إسرائيل - التي لن تتخلى عن منطقة الخليج ولن تدعها تنتهج سياسية نفوذ وتعاون حيال منطقة القرن الإفريقي. يســتند هــذا البحــث على افتــراض رئيس: وهــو أنه يمكــن لمنطقة القرن الإفريقي (جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا والسودان والصومال) أن تمثل عمقًا استراتيجيّا مهمًا لمنطقة الخليج العربي؛ ســواء من حيث المعطيات الجيوسياســية والصلات التاريخية والتفاعل الثقافي والحضاري، أو من حيث المصالح المشتركة من حيث الأمن والاســتقرار، أو من حيث الرغبة المتبادلة في الشــراكة التنموية والاستثمار الاقتصادي. ولإثبات هذا الافتراض اســتعان الباحث بمنهج كمي، فوزع الاســتبانة على مجموعات مرجعية من النخب، وأجرى المقابلات مع رموز علمية وسياسية، واستعان بالإحصاء والتقارير الرسمية والوثائق الدولية. على أن المنهج الكمي الذي ســلكه ما كان ليفيد في شــيء لولا أنه قد مهد له بتشــييد إطار نظري ســديد. اســتأنس في تركيب ذلك الإطار برؤية البروفسور . يرى المزروعي أنه من الممكن، بل " الأفرابيا " الراحــل علــى الأمين مزروعي عن من الضروري، أن ينشأ تجمع حضاري جديد بين شبه الجزيرة العربية ودول شرق إفريقيــا. وهو تجمع يرتكز بتقديره على دعائم لغوية وثقافية واجتماعية واقتصادية.

8

Made with FlippingBook Online newsletter