صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

جاهزًا دون أية ســيرورة تاريخية، ودون اســتيعاب عميق لمبادئ الحداثة؛ الأمر الذي عمّق أزمة الدولة العربية التي شهدت تغيرات كبرى بعد سقوط حكم الخلافة الإسلامية ؛ حيث التحول من حكم دار الإسلام إلى حكم الدولة الحديثة. 1924 سنة ومن أهم إفرازات هذا التحول نشــأة الحركات الإســ مية التي اتخذت شعاري «تطبيق الشــريعة» و»الإســ م هو الحل» شــعارًا لها، لهذا ناصبت العلمانية العداء، وجادلت في أســس الحداثة، مثل: الحريات الفردية، والديمقراطية، والمواطنة... كما رفضت شكل الدولة الجديد، باعتباره سبب تفرقة المسلمين، ودافعت عن عودة نظام الخلافة ودار الإسلام معتبرة إياه النموذج الملائم للحفاظ على وحدة المسلمين. إلا أن بعض الحركات الإســ مية راجعت مواقفها في العقود الأخيرة، وتصالحت بشكل كبيــر مع أســس الدولة الحديثة ومبادئها، ويتعلق الأمــر بحركة «التوحيد والإصلاح» المغربية، وحزب «العدالة والتنمية» المنبثق عنها، وكذا حركة «النهضة» التونسية، حيث اتخذ هذا التيار الإسلامي الموسوم بالاعتدال إجراءات حازمة لوضع مسافة بين الديني والسياسي انسجامًا مع طبيعة الدولة الحديثة وأسسها. وقد تم بذلك التوافق مع مبدأ ناصبته الحركات الإســ مية العداء زمنًا طوي ً، ويتعلق الأمر بمبدأ العلمانية، خاصة في صيغته المعتدلة، لا المتطرفة، حيث تحولوا من رسم صورة قاتمة عن هذا المبدأ الحداثي، إلى الدفاع عنه، واعتباره ضحية سوء الفهم، بل والإشادة بأفضاله في حماية الدين من تسلط الدولة. ولم يكتف رواد حركة «التوحيد والإصلاح» بالتنظير لأفضال التمايز بين الديني والسياسي، بل طبقوه على المستوى الواقعي من خلال الفصل بين مؤسستين، مؤسسة حركة «التوحيد والإصلاح» المتخصصة في العمل التربوي والدعوي، ومؤسسة حزب «العدالة والتنمية» المتخصصة في المجال السياسي، وقد تم ذلك منذ بداية الانخراط في العمل السياسي، وعيًا من هؤلاء الإسلاميين المغاربة بمسألتين أساسيتين، هما: الوعي بخصوصية الدولة المغربية الحديثة، الخاضعة لنظام إمارة المؤمنين؛ حيث يدخل الشــأن الديني في مهام الملك، الذي يُعد حاميًا للدين في الدســتور المغربي، ومن ثم لا مجال لمنافســته في هذا الشــأن من طرف أي حزب، حتى لو كان يحمل مرجعية دينية. الوعي بطبيعة الممارســة السياســية داخل دولة حديثة تفرض وضع حدود بين السياسي والديني لتجنب المعيقات والصعوبات التي تفرضها طبيعة هذه الدولة، التي

16

Made with FlippingBook Online newsletter