الحديثة، وتراجع المفاهيم التاريخية للحكم الإسلامي ويعبر عن تفاعل حركة التوحيد والإصلاح الإيجابي مع تطور العصر. ومن رواد حركة التوحيد الإصلاح المدافعين بشــكل قوي عن الدولة الحديثة، نجد محمد جبرون الذي اعتبر أن «أكبر ما تُمتدح به الدولة-الأمة، ويدعو إلى تبنيها، هو فسحها الطريق أمام الأمة لممارسة حقها السياسي والاعتراف لها بالسيادة، الشيء الذي لم يكن متاحًا في إطار الدولة العصبية -الملك العضود- فإن هذا الأمر تحقق، وبدرجات عالية، في إطار دولة الخلافة، فقد مارست الأمة في عصر الراشدين سيادة . وهنا، يوازي محمد جبرون ((( كاملــة غير منقوصة، وكان الحاكم طوع يمين الأمــة» بشــكل ضمني بيــن دولة «الخلافة الراشــدة» و»الدولة-الأمة» مــن حيث الاعتراف بالســيادة للأمة أو الشــعب، مؤصًّ بذلك لمفهوم الســيادة الذي يعتبر من خصائص الدولة الحديثة، مانحًا إياه المشروعية الدينية، لتبرير الأخذ به، إرضاء للضمير الديني، دون مراعاة الاختلافات الجوهرية بين مفهوم الســيادة في كلا الحكمين، فالسيادة في زمن «الخلافة الراشــدة» كانت للأمة التي تراقب الحاكم مشــترطة طاعة الله وتطبيق شرعه، في حين تقوم السيادة في الدولة الحديثة على حكم الشعب دون حضور القيد أو الشرط الديني؛ الأمر الذي يعبّر عن تناقض كبير، وإسقاط غير متوازن للمفاهيم. لم يكتف محمد جبرون بالدفاع عن الدولة الحديثة، ككيان سياسي يخول السيادة للشعب، بل وجّه لومه للإسلاميين الرافضين لها، معتبرًا الاعتراضات التي دفعوا بها في وجه مشروع الدولة الحديثة تفتقد الوجاهة التاريخية والعقلانية، باعتبار أن طبيعة حكم الدولة الحديثة من شــأنها منع الاســتبداد والتسلط، في حين يسهم الحكم الإسلامي الذي ينشــده الإسلاميون في تكريس الاســتبداد مهما تكن جاذبية الأفكار التي تتدثر . ((( بها مثل «الخلافة» و»الحاكمية» و»الدولة الحديثة» حسب محمد جبرون، ليست مجرد إسقاط استعماري هجين، بل «حتمية تاريخية»، جاءت بعد فشــل «الدولــة العصبية»، التي أصابها مرض مزمن تعســر علاجه، رغم اعتماد النخب السياســية العربية وصفات مختلفة، ركّزت أساسًا على إصلاح المالية، وإعادة هيكلة الجيش وتنظيمه، غير أن جل هذه المحاولات باءت
. 311 - 310 جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية أزمة الأسس وحتمية الحداثة،صص ((( . 317 المرجع السابق،ص (((
38
Made with FlippingBook Online newsletter