على الجمع بين الديني والدنيوي، في حين تقتصر الدولة الحديثة العلمانية على رعاية . وهي مقارنة تتميز بالعمومية، وتتجنب التدقيق في تفاصيل ((( المسائل الدنيوية المادية الدولة الإسلامية الحديثة المنشودة. علمًا بأن التفاصيل الدقيقة هي التي تقرّب النموذج المنشود من الواقع. يبدو جليّا من خلال أدبيات حركة التوحيد والإصلاح، أن الهدف المنشــود بناء دولة حديثة بمرجعية إسلامية، وهو أمر ليس باليسير، داخل دولة لا مرجعية لها سوى القانون الوضعي، والمصالح الدنيوية المحضة. أما ما هو ديني فيبقى هامشيّا، إلا فيما تعلق ببعض القوانين الجزئية، التي قد تنســجم مع الدين، دون أن يشــكّل هذا الأخير هدفًــا مقصودًا لذاته، أخــذًا بعين الاعتبار، تنوع طوائف المجتمع، واختلاف توجهاته السياســية، وكذا علاقة هذه الدولة بالمجتمع الدولي وقوانينه ومعاهداته؛ الأمر الذي يفرض عليها التنازل عن الكثير من مبادئ مرجعيتها الدينية، لتحقيق الاتساق مع طبيعة الدولة الحديثة. كمــا تعتبر أدبيات الحركة فيما يتعلق بالدولة المنشــودة، المازجة بين الوضعي والشــرعي، بين قيم الحداثة وقيم الإســ م، أنها تنشد تحقيق «الدولة الإسلامية» التي حفل بها خطاب الإســ ميين زمنًا طوي ً. دولة تتبنى شكل الدولة الحديثة وأساليبها، وتحافظ على روح الحكم الإســ مي ومقوماته، وهي الدولة التي أطلق عليها ســعد الدين العثماني صفة «دولة مدنية في ظل مقاصد الشريعة»، رغم أن الحركة تنتقد هذا المشــروع، وتعتبره متجاوَزًا بحكم الخصوصية المغربية، التي عرفت اســتمرار الدولة الإســ مية. الأمر الذي يؤكد غياب رؤية منســجمة عن الدولة، لدى حركة «التوحيد والإصلاح» والسقوط في متاهة التناقض، من خلال اعتبار الدولة الحديثة كيانًا سياسيّا يمكن توجيهه وترشيده، ليستوعب مبادئ الدين ومقاصد الشريعة، وأنها كيان مرن قابل للتكيف مع خصوصيات المجتمعات الإنســانية، بما فيها المجتمعات الإسلامية، دون وعي بطبيعة الدولة الحديثة، التي لا تمثّل إطارًا فارغًا يمكن تعبئته بما شئنا من مبادئ وقيم وأخلاقيات، بل هي نفسها ترتكز على مبادئ وأسس خاصة بها، ولا تقوم الدولة الحديثــة إلا بتوافرها، مثل: العلمانية، والديمقراطية، والحكم المدني، ومبادئ حقوق الإنسان، وتقديس الحريات الفردية...إلخ.
. 257 المرجع السابق،ص (((
48
Made with FlippingBook Online newsletter