مع ما رسمته أدبياتها، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن شكل الدولة المنشودة ومبادئها في فكر «حركة النهضة»، وهل ينســجم هذا الشــكل مع نموذج الدولة الحديثة، أم لا يزال مرتبطًا بنموذج الحكم الإسلامي التقليدي؟ -الحكم الإسلامي: بين الحنين للخلافة وحلم الدولة الإسلامية 2 رسم خطاب «حركة النهضة» في بداياته صورة الدولة على غرار نموذجين بارزين، هما: نموذج الخلافة الذي يشده الحنين إلى العودة إليه، ونموذج الدولة الإسلامية التي تمزج بين الماضي والحاضر، من خلال مزاوجتها بين شكل الدولة الحديثة، ومبادئ حكم الخلافة. ويعود الســر في رســم هذين الشكلين للدولة المنشودة، إلى الإصرار على تطبيق حكم الشــريعة، الذي شــكّل هاجس الحركة، وأحد أكبر أهدافها، فهو في تمثلها مفخرة حكم الخلافة، وأساس بناء الدولة الإسلامية المنشودة. غير أن خطاب الحركة شــهد تطورًا كبيرًا في مســاره؛ حيث انتقل من تبني النموذجين إلى نقدهما، والتوجه أكثر نحو الاندماج والتصالح مع الدولة الحديثة. فكيف كانت تمثلات «حركة النهضة» للنموذجين اللذين كان أحدها مفعمًا بالحنين، والآخر مشبعًا بالحلم؟ وكيف تم الانتقال إلى نقدهما والاتجاه نحو نقيضهما المتمثل في الدولة الحديثة؟ حكم الخلافة بين النقد وحنين العودة 1-2 احتفــى خطــاب حركة النهضة في بداياته بالحكم الإســ مي في عصره الأول، خاصة في عهد النبوة، والخلافة الراشــدة، حيث اعتبره الغنوشــي مثً أعلى للحكم، ونموذجًــا أرقى لتطبيقه، لهذا، لن يحتاج المفكرون لوضع «مواثيق لحقوق الإنســان والمواطن طالما أن يقينهم تام، واعتقادهم راســخ بأن الصورة الأمثل للإنســان فردًا أو جماعة قد تضمنها الكتاب العزيز، وجســدتها تجربة التطبيق الإســ مي في العصر ، وقــد امتــد هذا التنويه ليطول ســائر تاريخ حكم الخلافــة، بما فيه مرحلة ((( الأول» «الملك العضود»، لأنه حكم يستمد مشروعيته من الإسلام، والذي استمر ظّ ممتدّا من دون انقطاع، حســب الغنوشــي، رغم ما اعترى هذا الحكم من وهن وفســاد، إلا
، (مركز دراسات الوحدة العربية، 1 ((( الغنوشي، راشد، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، الطبعة . 39 )ص 1993
58
Made with FlippingBook Online newsletter