صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

أن المسلم كان يعيش في كنف دولة «تحتكم للشريعة وتدرج نفسها في سياق تاريخ الإســ م...لذلك، مثّل حدث ســقوط الخلافة في الحس الإسلامي ما يشبه الحدث الكوني الرهيب كالزلزال، وكأن المسلمين قد أصبحوا وقد زالت قبة السماء من فوق رؤوسهم، فاندلع من المشكلات والأسئلة الحائرة ما دل على أن الاجتماع الإسلامي قد مادت الأرض من تحت أقدامه وتسارع افتقاده للخيوط الناظمة ولمقومات الإجماع . فســقوط الخلافة يعتبر بناء على ((( داخله، بما فجّر داخله ضروبًا من جدل النقائض» ذلك، سببًا جوهريّا في تفكك المجتمع الإسلامي، حتى إن الغنوشي وصفه بالفاجعة، التي هزت هوية المسلمين. ولــم يتوان الغنوشــي في مدح حكــم الخلافة، أو ما ينعتــه بالحكم في البلاد الإســ مية، معتبرًا إياه أفضل من حكم الدولة الحديثة أو الحكم الغربي، الذي يتميز بســيطرة طابــع الفردية والروح القومية واللادينية والشــكلانية، نظرًا لارتباط نشــأته بالصراع ضد الكنيســة وحكم الملوك الإطلاقي؛ حيث تم تقييد ســلطاتها أو انتزاعها جملــة وردها إلى الشــعب، باعتباره مصدرًا وحيدًا لهــا، في حين يختلف الأمر «في البلاد الإسلامية التي لم تعرف هذه المجانبة أو الانفصال بين الحكم وبين الأمة غالبًا حتى في أزمنة الجور بســبب ما ظلت تمارســه الشريعة من تقييد لسلطان الحكام في مســألتين مهمتين، هما: ســلطة التشريع وفرض الضرائب، حيث لا يمكن للحاكم أن يســتنّ من التشــريع ما يخالف الدين، ومن ذلك عدم قدرته على تجاوز المقادير التي حددتها الزكاة؛ الأمر الذي جعل المجانبة بين الحكم والأمة لا تتم على النحو الذي ، فسِــرّ الأفضلية هنا يكمن في توافق الحكم ((( حصل في حكم الإطلاق في أوروبا» الإســ مي مع الشريعة التي تقيده بأحكامها، ولا تتركه على إطلاقيته، بخلاف الحكم الغربي الذي منح كل السلطة للشعب دون قيود أو شروط. كما تتجلى ميزة الحكم الإسلامي حسب الغنوشي في اعتبار «الإمامة عقدًا، وأن الأمة هي الموجب له، وهي صاحبة السلطة والسيادة على حكامها في إطار المشروعية العليا للوحي. فلا خلافة إلا ببيعة حقيقية، الأمر الذي يجعل الحكم الإسلامي حكمًا ديمقراطيّا بكل ما في الكلمة من معنى، وأنه حكم مدني من كل وجه، إذ ليس للدولة ، (مركز الجزيرة للدراسات، 1 الغنوشي، راشد، الديمقراطية وحقوق الانسان في الإسلام، الطبعة ((( . 33 )،ص 2012 الدار العربية للعلوم والنشر، 39 الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، مرجع سابق،ص (((

59

Made with FlippingBook Online newsletter