صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

حكمها واقعيّا. وهنا، يُطرح التساؤل عن دوافع هذا التحول في المواقف، من الدفاع عن حكم الخلافة، إلى نقده بشــكل قوي، وأغلب الظن أنه يعود لعاملين؛ إما لتطور فكري أصيل نابع من وعي الحركة وقناعاتها بأهمية الدولة الحديثة ومبادئها، أو يعود سبب هذا التحول إلى المصالح السياسية البراغماتية، والرغبة في الوصول إلى الحكم داخل دولة حديثة علمانية، لا تقبل مؤسساتها وأحزابها السياسية بعودة نموذج الخلافة، ولا بالفكر الذي يؤصل له. التحول من الحلم إلى الواقع في تمثل الدولة، لم يقتصر على نموذج «الخلافة» بل شمل أيضًا نموذجًا آخر للدولة، هو نموذج الدولة الإسلامية، التي حفل بها خطاب حركــة النهضــة، فكيف تمثلت حركة النهضة هــذا النموذج من الدولة؟ وهل طورت فكرها في اتجاه نقده وتجاوزه، أم إنها ما زالت تطالب بإقامته؟ حلم الدولة الإسلامية: بين المثال والواقع 2-2 زخــرت الأدبيات السياســية لحركة «النهضة» في بداياتهــا بحلم تحقيق الدولة الإســ مية، التي تســتوحي في الحكم نموذج دولة الرســول صلّى الله عليه وســلّم والخلفاء الراشــدين، وتســتفيد في الآن نفســه من الآليات السياســية للدولة الغربية الحديثة، ومن ثم فهي دولة مازجة بين كيانين مختلفين، ســواء على مســتوى الشكل أو الجوهر. لأنها تسعى -حسب الغنوشي- إلى «تطوير نموذج أصيل للحكم يستوعب تجربة التحديث الغربي ويتجاوزها على أسس وغايات، لئن التقت في بعض المحطات مع فلسفة الغرب وأدواته التنظيمية خاصة، فهي تنهل بالتأكيد من معين آخر من شجرة . وما هذا المعين إلا القرآن الكريم والســنة النبوية ((( أصلها ثابت وفرعها في الســماء» الشريفة اللذان يمثلان روح الإسلام وعماده. مما يؤكد أن المنشود هو دولة لا تأخذ من الدولة الحديثة إلا الأدوات التنظيمية، كالدستور، والآلية الديمقراطية، أما روح هذه الدولة فمستلهمة من الدين. فما دامت الدولة مفهومًا أصيً في الفكر السياسي الإسلامي، وضرورة اجتماعية لإقامة الدّين -حســب الغنوشــي- فإن من مهامها «إقامة العدل وحراسة الدين وتوفير تحترم الحريات والحقوق والتداول السلمي على السلطة، وهو ما سنكرسه كخيار لا رجعة فيه في الدستور القادم استجابة لمبادئ الثورة وتطلعاتشعبنا نحو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي مدني. . 314 الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية،ص (((

65

Made with FlippingBook Online newsletter