صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

بينها وبين ثقافة أمتنا وإرثها التوحيدي ومصالحها الاستراتيجية في الوحدة. وسر شذوذها يكمن في عدم امتلاكها عمقًا تاريخيّا وثقافيّا كما هو شأن الكيانات القطرية الغربية التي نسجنا على منوالها، كما أنها عاجزة عن تحقيق أي معنى من معاني عزتنا ومصالحنا «لاسيما والأقوام الذين صدّروا إلينا هذه البضاعة المسمومة وفرضوها هم أنفسهم قد قطعوا أشواطًا بعيدة في التخلي عنها وتجاوزها نحو كيانات عظمى، فإن المأمول أن ينمو ويتصاعد إحساسنا بالخجل . ((( من العكوف على هذه الأصنام البالية، التي زهد فيها حتى صُنّاعها الأصليون» ولعل فداحة الألفاظ المعتمدة في وصف الدولة القطرية، والمتمثلة في نعتها بالبضاعة المسمومة، والأصنام المعبودة، يعّ بشكلجليعن مقتهذه الحركة الإسلامية للدولة الحديثة، في شكلها العربي، لا الغربي. فالشكل الغربي منسجم مع ذاته وتاريخه، ومع ذلك ينحو نحو التكتل داخل قوى موحدة كبرى، في حين يبقى الشكل العربي المفروض أو المستورد هجينًا لعيًنا -حسب وصف الغنوشي- لأنه أضحى «يهدد المشروع الإسلامي في الوحدة ولو في . فالسرفي رفض القطرية من طرف «حركة النهضة» يكمن ((( أدنى درجاتها كالجامعة العربية» في أنها شتّتتكيان الأمة الإسلامية، وحالت دون بناء نموذج مواز لحكم الخلافة ولو فيشكل متواضع يحاكي بعض النماذج الحديثة. ومن أهم ما تردد في أدبيات الحركة باعتباره أكبرسلبيات الدولة الحديثة وصفها بالاستبداد والتغول، والسيطرة على كل مناحي الحياة، فقد رأى جلال الورغي أنها تمثل دولة الأمر الواقع، التي انبثقت في غفلة من التاريخ، والتي باتت اليوم مصدر هويتنا، ومحدد انتمائنا، ومشرعة قوانيننا، وتعبيرًا عن إرادتنا، وضامن أمننا وحريتنا وحقوقنا وواجباتنا، وحامية . كما رأى أن ((( ديننا ومدبّرة دنيانا وراعيتها، تعلن الحرب وتبرم السلم نيابة عنّا وباسمنا» المنطقة العربية عاشت منذ أكثر من ستين سنة في ظل دول حديثة نشأت بعد استقلالها عن الاستعمار، في غياب أي جهد حقيقي أو توافق بين شعوب تلك الأقطار بشأن هذه الدولة وخصائصها. بل كانت أمرًا واقعًا، وتحولت إلى جهاز قهري تسلطي «رغم أن روادها قدموها على أنها رافعة أحلام وتطلعات الشعوب التي قاومت الاستعمار لعقود من الزمن، . ((( وأداة لتحقيق أحلامهم في الحرية والكرامة والاستقلال والنهوض» وترجع أسباب وصف الدولة الحديثة بالدولة القهرية المستبدة، حسب رفيق عبد السلام، لكونها «تأسست على ادعاءات شمولية واسعة النطاق، من ذلك مقولات: السيادة . 63 المرجع السابق،ص ((( . 63 المرجع السابق،ص ((( . 64 الورغي، الإسلاميون في الدولة: تجربة حركة النهضة التونسية في سياق الدولة الحديثة،ص ((( . 93 ((( - المرجع السابق،ص

72

Made with FlippingBook Online newsletter