رغم هذا التمثل السلبي للدولة الحديثة، خاصة فيما يتعلق بنموذجها القطري العربي، إلا أن حركة «النهضة» ع ّت عن رغبتها الجامحة في المشاركة السياسية داخل هذا الكيان الحديث، مستهدفة ترويضه، وجعله ينسجم مع ذاته وهويته، حيث شكّلت الدولة القطرية الحديثة بذلك العدو والمبتغى، في الآن نفسه، والتساؤل هنا عن سر قبول حركة النهضة المشاركة في حكم نوع من الدولة طالما حاربته. هذا التساؤل يجد جوابه في حلم أسلمة هذه الدولة وتغييرها لتنسجم مع مقاصد الشريعة وقيم الإسلام، وهو أمر تمت مراجعته في السنوات الأخيرة، خاصة بعد بروز أقلام جديدة داخل الحركة تنتقد مشروع الأسلمة، وتعتبره أمرًا شديد الصعوبة داخل كيان الدولة الحديثة؛ فقد أقرّ رفيق عبد السلام بأن «أسلمة الدولة الحديثة، أمر بالغ التعقيد، للاختلاف الجوهري بينها وبين الحكم الإسلامي السابق عنها. فكلما تحرك الإسلاميون باتجاه هذه الدولة الحديثة اكتشفوا اتساع الهوة التي تفصل بين المثال والواقع، واقع الأزمات والحصار الذي يُطبِقُه عليها نظامٌ دولي ثقيل الوطأة يمسك بنسيج الاقتصاد والسياسة، . ((( ويتحكم في حركة الأساطيل والجيوش، فتتحول أحلامهم الوردية إلى كوابيس مخيفة» ومن التساؤلات العميقة التي طرحها رفيق عبد السلام على المفكرين والقادة الإسلاميين: إلى أي مدى يمكن «أسلمة» وتطويع هذه الآلة الضخمة والعمياء المسماة بالدولة القومية الحديثة؟ وإلى أي حد يمكن التعايش بين هذا النمط من الدولة الهائلة الذي فرض نفسه خلال القرون الخمسة الأخيرة بحروبه الدنيوية، وحدوده الدموية والمطالب الأخلاقية والدينية التي ينادي وهي تساؤلات تؤكد الوعي بمدى تعقد مشروع أسلمة الدولة الحديثة ((( بها الإسلاميون؟ وصعوبته. ولعل تجربة الحكم القصيرة التي خاضتها حركة «النهضة»، أكدت هذه الحقيقة، فالأمر ليسبالسهل، فقد ظهرت الهوة كبيرة بينتمثلات الماضيحول الدولة، وواقعحكم هذه الدولة الحديثة؛ الأمر الذي دفع هذه الحركة لتقديم العديد من التنازلات، وإقامة عدة مراجعات كلها تصب في صالح تكريس واقع هذه الدولة، والدفاع عن مكتسباتها السياسية؛ حيث ع ّت الأوراق السياسية لحزب النهضة عن رغبة أكيدة في المحافظة على مكتسبات الدولة الحديثة، وأكد الحزب في ملف ترشيحه، أن من أهم أهدافه «دعم النظام الجمهوري وأسسه ، 2005 - 5 - 18 رفيق عبد السلام، الخطاب الإسلامي ومعضلة الدولة الحديثة، الجزيرة نت، ((( http :// www . aljazeera . net / knowledgegate / ) 2016 أكتوبر /تشرين 5 (تاريخ الدخول 18 / 1 / opinions / 2005 نفس المرجع. (((
79
Made with FlippingBook Online newsletter