صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

من هذه الدولة، بل ومس ّين لها أو لجزء من مؤسساتها، إدارة للحكم أو مشاركة فيها بعد أن كانت هذه الدولة بكل أجهزتها إما محاربة ولافظة لهم، أو يعيشون على هامشها، إما . ((( «استعلاء إيمانيّا» منهم، أو إقصاء وتهميشًا لهم من قبل أجهزتها ومؤسساتها» لقد سعت حركة «النهضة» جاهدة للتكيف مع الدولة الحديثة التي رفضتهم زمنًا طوي ً، وهو ما أقره راشد الغنوشي نفسه، عندما قال: «لقد انتقلنا من التعبد بمواجهة ، مؤكدًا التوافق شبه التام مع مبادئها وأسسها. وبذلك، ((( الدولة إلى التعبد بالدولة وعبرها» تكون الدولة الحديثة قد فرضت منطقها من جديد على الحركة، التي اضطرت لتقديم العديد من التنازلات لصالحها؛ الأمر الذي عابه أحد أبناء الحركة أنفسهم، مثل جلال الورغي الذي لاحظ أن مراسلات الحركة الداخلية بعد تجربة الحكم، تدور كلها حول تعبئة أبناء النهضة وأنصارها باتجاه الدولة والحكم، حيث تحوّل الرهان الكبير على الدولة، وهي رؤية تتغذى -حسب رأيه- من الثقافة التحديثية التي تشبعت بها النخبة التونسية، والتي تراهن على الدولة كمحرك للتاريخ وصانعته. وما يؤكد هذا الاتجاه نحو الدولة، هو خطابات الغنوشي المتأخرة، التي أضحت تركز على الدفاع عن الدولة وحمايتها، حتى أنه اعتبر من خرج ؛ مما يعبر عن اختلاف في ((( عليها مارقًا يجوز التعامل معه بما يقتضيه ذلك من حكم شرعي وجهات النظر، بين أعضاء الحركة أنفسهم. ومما انتقده جلال الورغي في مواقف راشد الغنوشي الجديدة، تنازله عن سيادة المجتمع داخل الدولة، بعد دفاعه السابق عن ضرورة تحقيق التوازن بينها وبين المجتمع وجعل اليد العليا للمجتمع على الدولة، وأن تكون هذه الدولة في نهاية المطاف «دولة المجتمع» بديً عن «مجتمع الدولة». غير أن «التحولات التي جرت في تونس عقب الربيع العربي رجّت بسرعة هذه القناعات التي رددها كثيرًا ودافع عنها الشيخ راشد الغنوشي، خاصة بعد أن حققت حركة النهضة التي يتزعمها فوزًا في الانتخابات فانقلب من مدافع عن المجتمع وحصونه، إلى مراهِن على الدولة ونجاحها، وانصبّ اهتمامه الأساسي على كيفية إنجاح تجربة الحكم ؛ وهو ((( والدفاع عن الدولة وحمايتها وتعزيز سلطانها المتلاشي تحت ضربات حالة ثورية» أمر متوقع، لأن القبول بالمشاركة السياسة داخل كيان الدولة الحديثة، الذي رفضه فكر حركة النهضة زمنًا طوي ً، سيدفع بأحدهما للتنازل لصالح الآخر، إراديّا، أو لا إراديّا، . 44 الورغي، الإسلاميون في الدولة: تجربة حركة النهضة التونسية في سياق الدولة الحديثة،ص ((( . 44 المرجع السابق،ص ((( . 75 المرجع السابق،ص ((( - 73 الورغي، الإسلاميون في الدولة: تجربة حركة النهضة التونسية فيسياق الدولة الحديثة،صص ((( . 74

81

Made with FlippingBook Online newsletter