الجهاديون المغاربة

فنتيجة حســابات اســتراتيجية وأيضًا تكتيكية، عملت السلطات المغربية على تشجيع ضمني للتيار الســلفي الوهابي. وكما ســيتم إبراز ذلك بتفصيل لحقًا، فقد ســاعدت العلاقــات الجيدة التي كانت تربط الربــاط بالرياض في تصدير الوهابية للمغرب من خلال دعم شــبكة واســعة من الجمعيات السلفية التي تنشط في مجال تحفيظ القرآن الكريم والدعوة السلفية، علاوة على استقبال مئات الطلبة لدراسة العلوم الشرعية في الجامعات السعودية ونشر كتب الوهابية مجانًا في معارض الكتب، وغيرها. وقد كان الغرض أيضًا خلق منافس للإســ م السياســي، وليس فقط مواجهة التيارات اليسارية والشيعية. لم تكن هذه السياســات تقصد تشــجيع التطرف الديني، ولكنها أدت بشــكل غير مقصود إلى توفير بيئة مناســبة لتصاعد التيارات الإســ مية بمختلف ألوانها، بما فيها تلك المعارضة للنظام التي اســتفادت من الأوضاع القتصادية والسياســية الهشة واســتغلت الفرصة لمساءلة الحكومات المتعاقبة عن الحالة التي آلت إليها الأوضاع. ومن هنا وجد خطاب الإســ ميين صدى في أوســاط اجتماعية واســعة في المغرب وخارجه. وهذا يرجع في جزء منه إلى سياســة الحســن الثاني الذي كان يرغب في مواجهة اليســار وأيضًا إلى مشــكلة أعمق وهي أن الأنظمة في العالم العربي كانت تفتقد إلى المشروعية السياسية مما أدى إلى زعزعة الثقة فيها، لسيما تلك التي كانت تتأسس على فكرة القومية العربية وحلم الوحدة العربية. المحنة ودورها في صناعة ثقافة العنف علاوة على ذلك، من المفيد أيضًا الإشارة إلى الدور الذي لعبه ما يمكن تسميته في تغذية مخيال الإســ ميين في المغرب، والتي نجحت في بناء " أدبيات المحنة " بـ مشاعر الغبن وإعطاء الإحساس بالظلم طابعًا سياسيّا، وتهيئة بيئة لحتضان فكر التطرف والعنف باعتبار ذلك ردّة فعل على عنف السلطات القائمة. وفي الوقت الذي كان فيه العنف المصري والجزائري بمنزلة ردة فعل على عنف من دون أن يعيش التيار " المحنة " الدولة، فإنه في الحالة المغربية كان استيرادًا لنموذج الإسلامي نفس ظروف القمع التي عاشها الإسلاميون في مصر والجزائر. فالإسلاميون المغاربة لم يعيشــوا حالة قمع توازي ل من قريب ول من بعيد العنف الذي سُــلّط على إســ ميي الجزائر أو مصر، بل بالعكس من ذلك، عاش بعض الإســ ميين، كما

20

Made with FlippingBook Online newsletter