إذا كان تيار التكفير والهجرة في مصر نشــأ نتيجة القمع القاســي في السجون، فإن الإســ ميين المغاربة لم يتعرضوا لنفس درجة القمع التي تعرض لها المصريون. كما أن بروز هذا التيار في المغرب كان متأخرًا نســبيّا وظهر في مرحلة التســعينات التي كانت تتميز بانفتاح سياســي. إذن، كيف يمكن تفســير بروز تيار الهجرة والتكفير في المغرب في تلك الفترة؟ سوسيولوجيا الهجرة والتكفير هناك طيف واســع من العوامل التي يمكن أن تســاعد في فهم هذا التطور. وفي هذا الســياق، يمكن ذكر عنصرين أساســيين: أولً: الحقد الطبقي، وثانيًا: أيديولوجية التكفير. يمكن أن يساعد التحليل الطبقي على فهم بعض أوجه هذه الظاهرة؛ فمن خلال تحليل الفضاء الذي نشــأ فيه التيار التكفيري وســيرة قياداته، تظهر هذه الميزة الطبقية لتيــار الهجــرة والتكفير. في الســياق المغربي، يمثل هذا التيــار الطبقات الجتماعية المســحوقة والفئات التي لم تســتفد من ثمار التنمية. فرغم أن مســار التحول نحو التكفيرية هو صيرورة معقدة تتداخل بها العوامل الشــخصية مع الظروف الجتماعية، إل أنــه يمكن القول: إن جماعــات الهجرة والتكفير هي ظاهرة ناجمة عن التهميش؛ فمن ناحية المكونات السوسيولوجية، تضم جماعة الهجرة والتكفير الفئات الجتماعية المسحوقة والموجودة في أسفل السلم الجتماعي؛ فمن النادر جدّا أن تجد ضمن تيار الهجرة والتكفير أشخاصًا من ذوي التعليم العالي أو ميسوري الحال. كما تتميز جماعة الهجرة والتكفير بتواضع مســتوى تعليم أعضائها وقياداتها، ويشتغل أغلب أتباعها في مهن بسيطة، مثل الباعة المتجولين أو الحرف التقليدية، أو هم عاطلون عن العمل. تمثــل حالة ابن داود الخملي ومجموعتــه نموذجًا مثاليّا لهذا التهميش المؤدي للتطرف؛ فقد كان الخملي وأتباعه يشتغلون في مجال بيع الأعشاب، وهي مهنة بسيطة تنتشــر في ضواحي المدن والمناطق المهمشة وتلجأ إليها الفئات الجتماعية الضعيفة لعدم قدرتها على اقتناء الدواء من الصيدليات لرتفاع ثمنها. وحسب أحد المعتقلين عشّابة بائعو أعشاب، وكانوا " السلفيين السابقين، فقد كان أتباع ابن داود الخملي، كلهم يحضرون الأعشــاب الخام ويُعِدّونها عنده في منزله الصفيحي بضواحي الدار البيضاء
76
Made with FlippingBook Online newsletter