الدول الديمقراطية مهد هذه التكنولوجيات مكتوف الأيدي فاقد الإرادة ومسلوب العزيمة، حينما تعرضعليه جرائم تُرتكب بواسطة تكنولوجيات الإعلام الحديثة، وعلى الخصوص لما يتم ذلك باستخدام شبكة الإنترنت، فيقلّب بنود القانون، ولا يجد ما يطبقه على هذه الجرائم؛ إذ مهما بذل من جهد وتفكير وتقدير، ومحاولة للقياسوالتكييف، لا يستطيع البتّ فيما يُعرض عليه من نوازل، وليس أمامه في نهاية الأمر إلا التمسك بالمبدأ القانوني الشهير: «لا جريمة ولا عقوبة إلا مع وجود نص»، تحت هذا المبدأ، وفي ظل غياب إطار قانوني واضح، غالبًا ما تُنتهك حقوق الأفراد، وتُرتكب جرائم فظيعة بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ألا يمكن إخضاع الجرائم والجنح المرتكبة بواسطة هذا الإعلام لقواعد قانون الإعلام التقليدي، أو لقواعد القانون الجنائي التقليدي؟ يبدو هذا أمرًا ممكنًا وميسرًا؛ إذ قد يُلجأ إليه في كثير من الأحيان بالخصوص قبل وضع قوانين الجرائم الإلكترونية. ففي كثير من الدول العربية تم اللجوء إلى تطبيق قواعد القانون الجنائي التقليدي على الجرائم المرتكبة بواسطة الإنترنت، في ...إلخ. ((( المغرب، وفي مصروالسعودية، وفي تونس كان ذلك واقعًا مضى، لقد تغيرت الأمور اليوم خاصة بعد حدوث سلسلة من العوامل، أهمها: أن هذه التكنولوجيات ولم تعد القوانين التقليدية قادرة على استيعاب ما يُرتكب عبرها من مخالفات أكثر من أي وقتمضى، وغير قادرة في الآن ذاته على مواكبة تنظيم المجالات التي أصبحت تغطيها، بل حتى القانون الذي وُضع لتأطير ما قد يُرتكبعبرها من جرائم هو نفسه غير قادر على ضبط ومسايرة التحولات السريعة والمتعاقبة التي تعرفها هذه التكنولوجيات . ((( التي تتطور بسرعة البرق، في حين كانت -وما زالت- المواكبة التشريعية لها تسير ببطء ومن بين العوامل ذات الطابع القانوني التي يتم استحضارها باستمرار، ما هو منظم بموجب بعض قواعد القانون الدولي، الممكن تطبيقها عند الاستغلال المفرط والسيء لتكنولوجيا الإعلام الحديثة تحت مبرر حرية الرأي والتعبير، باعتبارها جوهر حقوق الإنسان وأساسها، الذي لا يجوز ولا يستساغ المساس بها، مهما حدث حتى لو أساءت لبعض المبادئ الأخلاقية، أو مست بالآداب العامة، وبالنظام العام الاجتماعي. علي كريمي، «قانون الإعلام والاتصال في ظل المتغيرات الدولية»، ورقة قدمت في: ورشة تكوينية ((( . 2009 نظمتها الإيسيسكو في مدينة نواكشوط بموريتانيا، نوفمبر/تشرين الثاني Elino Polymenopoulou, “Liberté de l’art face à la protection des croyances religieux” ((( (Thèse de doctorat, Faculté de droit Grenoble, 2006).
54
Made with FlippingBook Online newsletter