بيئة الصحافة الإلكترونية العربية

يبحث الكتاب معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)) فيما يقوم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من علاقات قبل إنشاء المجلس وبعد تأسيسه. كما يتناول مسارات التعاون والصراع في تلك العلاقات، وتطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة، وكذلك العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي أثَّرت وتؤثر فيها سلبيًّا أو إيجابيًّا. ويسعى الكتاب لمؤلفه، الدكتور محمد صالح المسفر، بصفة عامة إلى محاولة فهم العلاقات الخليجية-الخليجية وتقييمها في إطار التداخل بينها وبين السياسات الإقليمية والدولية ودراسة اتجاهاتها والبحث في مصير الدول الخليجية.

ﺑﯿﺌﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻹﻟﮑﺘﺮوﻧﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺳﯿﺎﻗﺎت اﻟﺘﻄﻮر وﺗﺤﺪﯾﺎﺗﻪ

ﺗﺤﺮﯾﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاﺟﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﯿﻦ ﺗﺄﻟﯿﻒ:

تأليف مجموعة من الباحثين

محمد الأمين موسى المعز بن مسعود

علي كريمي

باسم الطويسي

محمد الراجي

نصر الدين لعياضي

الصادق الحمامي

فاطمة الزهراء السيد

تحرير محمد الراجي

ه 1442 – م 2020 الأولى: ديسمبر/كانون الأول النسخة

قطاع الإبداع الفني بشبكة الجزيرة الإعلامية التجهيز وتصميم الغلاف:

5 ......................................................................................................................... تراجم المؤلفين 9 ........................................................................................................................................... مقدمة ســياقات النشــأة الصحافة الإلكترونية في العالم العربي: الفصل الأول: 17 ................................................................................................................. وتحديــاتالتطــور باسم الطويسي التنظيم القانوني للصحافة الإلكترونية العربية وموجبات الشرط السياسي الفصل الثاني: 49 ........................................................................................................................... والتكنولوجي علي كريمي البعد الإيكولوجي لاقتصاديــات الصحافة الإلكترونية العربية: الواقع الفصــل الثالث: 83 ................................................................................................................................. والنموذج محمد الأمين موسى الصحافة الإلكترونية العربية والمجال العام: فضاءات مشتركة للاستقطاب الفصل الرابع: 115 ............................................................................................................................. والمشهدية نصر الدين لعياضي حريــة الصحافة الإلكترونية في الأردن ومؤشــرات البيئة الصديقة الفصــل الخامس: 139 .............................................................................................................. والكابحة للحريات محمد الراجي أخلاقيات الصحافــة الإلكترونية العربية: رؤية جديدة للممارســة الفصــل الســادس: 175 .................................................................................................................................... المهنية المعز بن مسعود

3

ميكانيزمــات التعايش والتنافــس بين الصحافــة الإلكترونية العربية الفصل الســابع: 215 ........................................................................................... ومنصات الإعلام الاجتماعي فاطمة الزهراء السيد 245 .................. كيف غيّرت جائحة كورونا صناعة الصحافة والميديا؟ الفصل الثامن: الصادق الحمامي

4

تراجم الباحثين

باسم الطويسي . حصل على 2013 رئيسمجلس إدارة التليفزيون الأردني، وعميد معهد الإعلام منذ عام الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من القاهرة، ودراسات متخصصة ما بعد الدكتوراه من جامعة فلوريدا في موضوع الإعلام الجديد والإصلاح السياسي. عمل الطويسي في السابق مديرًا لمركز دراسات التنمية في جامعة الحسين بن طلال، وهو عضو سابق في المجلس الأعلى للإعلامفي الأردن، واللجنة الملكية للنزاهة، ومحكّمفيعدد منجوائز الإعلام الدولية، وعضو مؤسس لعدد من مؤسسات الإعلام الأردنية. صدرت للدكتور الطويسيمجموعة من الكتب الإدراك السياسي " في الدراسات الإعلامية والعلوم السياسية والاستراتيجية والتنمية، منها: . له " الحواس الجديدة: التعامل الصحفي في البيئة الرقمية " ، و " لمصادر تهديد الأمن القومي العديد من البحوثفي دوريات علمية عالمية. الصادق الحمامي أســتاذ مشارك بقســم الصحافة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في جامعة منوبة بتونس. حاصل على الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من جامعة ستندال غرونوبل ) بفرنسا. تولّى منصب مدير المركز الإفريقي لتدريب Stendhal Grenoble III الثالثة ( الصحفيين والاتصاليين (رئاسة الحكومة، تونس). صدرت للدكتور الحمامي عدة كتب باللغتين، العربية والفرنسية، منها: الميديا الجديدة (منشورات جامعة منوبة)، كما نشر عدة دراســات في مجــ ت عربية وأوروبية محكّمة، وفصوً فــي كتب عن الميديا Media and Political Contestation in the Contemporary والاتصــال، منها: وأشرف على عدة تقارير، من ضمنها: Arab World ( Palgrave Macmillan US ). المرأة العربية في " (مركز تونس لحرية الصحافــة)، و " الميديــا التونســية والإرهاب " .) " كوثر " (مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث " النقاش الافتراضي

5

علي كريمي أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء- جامعة الحسن الثاني، وأستاذ قانون الإعلام والقانون الدولي للإنترنت بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. حصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي والعلاقات الدولية عام . يرأس الدكتور كريمي الجمعية المغربية للعلوم السياسية، والمركز المغربي للدراسات 1986 والأبحاث في حقوق الإنسان والإعلام. وهو خبير دولي لدى الإيسيسكو واليونسكو ولدى وزارة الاتصال بالمغرب، وعضو اللجنة العلمية الاستشارية لصياغة قانون الإعلام المغربي، قوانين " ومستشار قانوني لدى هيئة الإنصاف والمصالحة المغربية سابقًا. له عدة كتب، منها: المضامين الإعلامية الغربية " ، و " الإعلام المكتوب في دول المغرب العربي: الواقع والآفاق . " حول الإسلام في ضوء القانون الدولي فاطمة الزهراء السيد أستاذ الصحافة المشارك بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. حصلت على الدكتوراه من . قامت 2018 وليدز 2001 ، والماجستير من جامعتي القاهرة 2007 الجامعة نفسها عام بالتدريس في جامعة القاهرة وجامعتي الملك عبد العزيز والملك سعود، وتولّت رئاسة قسم . حصلت على منحة 2016 / 2015 الصحافة بجامعة الأهرام الكندية بمصر خلال عامي ، وشاركت بأبحاث في 2016 أميركية لدراسة مؤسسات الإعلام عبر الولايات المتحدة لعام العديد من المؤتمرات الدولية للاتصال، وعضو بكل من الرابطة الدولية للاتصال والجمعية الأميركية لتعليم الصحافة. حصلت الدكتورة فاطمة الزهراء مرتين على جائزة أفضل بحث 12 بجامعة القاهرة، ونشرت أكثر من 2012 و 2008 خلال المؤتمر الدولي لدراسات الإعلام بحثًا علميّا في قضايا الاتصال والإعلام الجديد في دوريات محكمة عربية وأجنبية. محمد الأمين موسى أستاذ الصحافة الإلكترونية المشارك بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم في جامعة قطر. حاصل على الدكتوراه في الاتصال من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان؛ وماجستير من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالمغرب. قام بالتدريسفيعدة جامعات بالإماراتوالمغرب. ، " العامل النفسي والاتصال " صدرت للدكتور الأمين موسى مجموعة من الكتب، منها:

6

الاتصال غير اللفظي في القرآن " ، و " في رحاب الصحافة " ، و " الاتصال غير اللفظي " و التواصل الفعال: الأسس العلمية والمجالات " ؛ و " مدخل إلى تصميم الجرافيك " ؛ و " الكريم . نشرمجموعة من البحوثفي مجلاتعلمية محكمة حول الإعلام الجديد والتواصل " التطبيقية الفعال وتصميم الجرافيك والوسائط المتعددة والصحافة الإلكترونية والعلاقات العامة. محمد الراجي باحث في مركز الجزيرة للدراسات، ومشرف برنامج الدراسات الإعلامية، وسكرتير تحرير مجلة لباب للدراسات الاستراتيجية والإعلامية التي يصدرها المركز. حاصل علىشهادة ، وماجستير في الصحافة 2015 الدكتوراه في الإعلام من جامعة أم درمان الإسلامية في العام ، ودبلوم الدراسات العليا في الأدب الحديث من 2011 والإذاعة من الجامعة نفسها في العام . عمل في قناة الجزيرة بقسم ضمان الجودة بين 1995 جامعة محمد الخامس بالمغرب في العام . تُركّز اهتماماته البحثية على الإعلام والاتصال وأثرهما المعرفي والثقافي 2013 - 2005 عامي سلطة الإعلام الاجتماعي: تأثيراته في المنظومة الإعلامية " والاجتماعي، وهو محرّر كتاب: الجزيرة في عشرين عامًا: أثرها " . نشر أوراقًا بحثية في كتب، منها: " التقليدية والبيئة السياسية . " تنظيم الدولة الإسلامية: النشأة والتأثير والمستقبل " ، و " في الإعلام والسياسة والأكاديميا المعز بن مسعود أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة قطر والجامعة التونسية. تولى منصبرئيسقسم الاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بالجامعة التونسية، ثم نائبالعميد ومدير الدراساتبالمؤسسة نفسها، كما عمل مستشارًا لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. أشرفعلى تنسيق الدراسات العليا بالماجستير المهني في الاتصال السياسي، والماجستير المهني في الإعلام متعدد المنصات. نسّق الكثير من المؤتمرات العلمية، والمشاريع البحثية مع منظمات مانحة أجنبية، ويشرفحاليّا على العديد منطلبة الدكتوراه من تونسوخارجها. نشرالعديد من البحوثوالمؤلفات، منها: إعلام الخدمة العامة " ؛و " الاتصالالسياسيفيالعالم العربيوإفريقيا: المقارباتوآلياتالممارسة " ، " دليل تغطية الأحداث السياسية " ؛ و " في الوطن العربي: الخصائص، والرهانات والتحديات تحولات المشهد " ؛ و " الإعلام والفاعلون السياسيون في فترة الانتقال الديمقراطي في تونس " و . " الإعلامي والاتصالي بمملكة البحرين: التنظيم الهيكلي والتشريعات

7

نصر الدين لعياضي أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، توّ تدريس الإعلام بجامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة لعدة سنوات، وترأّس فيها لجنة الدراسات العليا والبحث العلمي. وأستاذ الإعلام والاتصال بمعهد الإمارات الدبلوماسي ورئيس لجنته العلمية، ومستشار لشؤون الإعلام برئاسة الجمهورية الجزائرية. نشر العديد من البحوث والدراساتفي مجلات علمية محكمة جزائرية وأجنبية في الإعلام والاتصال. وأصدر سلسلة من الكتب منها: التعامل " ، و " هوامل الحديث عن الميديا " ، و " الاتصال والإعلام والثقافة: عتبات التأويل " وسائل الاتصال الجماهيري والثقافة: القاعدة " ، و " مع وسائل الإعلام: الأسس والأدوات سوسيولوجيا الاتصال " . وقام بترجمة بعضالمؤلفات إلى اللغة العربية كان آخرها " والاستثناء . " والميديا، مشروع نقل المعارف

8

مقدمة ظلت الصحافة الإلكترونية، خلال العقدين الماضيين اللذين برز فيهما الإعلام الجديد مُكَرّسًا واقعًا اتصاليّا وإعلاميّا وثقافيّا جديدًا، تتمتّع بحضور أوسع في المجال العام؛ شاغِلة المتلقي العربي ومالِئةً بحواملها المختلفة الفضاء السيبراني بعد التراجع المطرد للصحافة الورقية كوسيلة إعلامية وصناعة تعيش أزمة نموذجيها الاقتصادي والمهني اللذين جعلا بعض المؤسسات العريقة تلجأ إلى خيار الخروج من المشهد الإعلامي المكتوب بعد تجربة صحفية امتدّ بعضها سبعة عقود وطي صفحات تجربتها الصحفية، مثل: المستقبل ودار الصياد وقبل في المئة من الصحف 50 ذلك مؤسسة ألف ليلة وليلة والسفير. وفي مصر وحدها أُغلق نحو التي حافظت على الصدور خلال الأعوام الخمسة الماضية، وتراجع عدد المطبوعات الورقية . وقد تفاقم هذا 2018 عام 50 إلى أقل من 2010 صحيفة ومجلة عام 255 في تونس من الوضع، أي خيار الخروج، في سياق أزمة انتشار جائحة كورونا، والتي امتد تأثيرها لجميع القطاعات بما في ذلك الصحافة الورقية؛ حيث كشفت عمق التحديات التي يواجهها هذا القطاع وهشاشته بعد أن اتجهتمعظم الصحف إلى تعليق إصدار طبعاتها الورقية؛ فاضطربت البنية الاقتصادية للمؤسسة الصحفية ووظيفتها (النشر والطباعة والتوزيع والإشهار)، واضمحلتسوقها الأولية (سوق القراء) والثانوية (سوق المعلنين)، وهو ما سيؤدي ببعضها إلى الإفلاس والإغلاق. وبالتوازي مع انتشار الصحافة الإلكترونية ونموها المتسارع، حظي هذا القطاع باهتمام الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين أيضًا للاستثمار في مشاريع إعلامية إلكترونية، حيث نشأت صناعة صحيفة إلكترونية -ولئن كانتفي بدايتها- تحاول أن تتواءم مع الخصائص التواصلية لشبكة الويب والتواصل الإنساني عبر الإنترنت، كما استأثرت بانتباه المجال البحثي، لاسيما حركة التأليف الإعلامي والدرس الأكاديمي. وتزخر المكتبة العربية بعشرات الكتب التي تتناول الصحافة الإلكترونية في العالم العربي، فضً عن الرسائل والأطروحات الجامعية التي تغري الباحثين بمتابعة تطور هذا القطاع الصحفي وانتقالاته في سياق التحولات الاتصالية والإعلامية الهائلة التي فرضتها تكنولوجيا الاتصال الحديثة، وتأثيرها في بيئة الصحافة الإلكترونية وعلاقتها بمحيطها السياسي

9

والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ويُركّز هذا الإنتاج المعرفي -نظريّا وتطبيقيّا- في مقاربته لإشكاليات الصحافة الإلكترونية على أبعاد تقليدية (النشأة والتكوين، والتنظيم القانوني، وأخلاقيات المهنة...)، وحديثة أيضًا (النموذج الاقتصادي للصحافة الإلكترونية، وتأثير أزمة كورونا في صناعة الصحافة والميديا، واستخدام الوسائط المتعددة، وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي...)، لكن بمنظور تجزيئي يجعلها أحيانًا قضايا أو موضوعات مستقلة دون مراعاة شبكة العلاقات بين هذه القضايا والسياقات التي تتفاعل فيها، وهو ما يؤثر بلا شكفي نتائج الدراسة عندما تفتقر للرؤية التحليلية التركيبية، أو البعد العلائقي، في استقصاء الظاهرة وبحث متغيراتها. يحاول هذا الكتاب، الذي ن َُِت فصوله في ملف بحثي بموقع مركز الجزيرة للدراسات، ، أن يتجاوز المنظور التجزيئي في دراسة بيئة الصحافة الإلكترونية 2019 في فبراير/شباط العربية، ويُقدّم تأصيً معرفيّا لسياقات نشأتها وتطورها، ومقاربة تركيبية لتحديات البنية الهيكلية والتشريعية والمهنية والتكنولوجية والمسارات المستقبلية لهذا القطاع الصحفي من ؛ الذي أصبح حقً علميّا بفضل جهود ثلاثة " إيكولوجيا الإعلام " خلال المدخل النظري لـ Walter ) ووالتر جاكسون أونج ( Marshall McLuhan من الرواد: مارشال ماكلوهان ( )، كما توضح فصول الكتاب، وهو يُعنى Neil Postman ) ونيل بوتسمان ( Jackson Ong بدراسة البيئات الإعلامية المختلفة؛ حيث تلعب التكنولوجيا والتقنيات ونموذج المعلومات البحث في العلاقات بين الفاعلين " ورموز الاتصال دورًا أساسيّا في الشؤون الإنسانية، ويتم ومعالجات المنظومات الإعلامية في مستويات مختلفة؛ لاسيما أن دراسة وسائل الإعلام تستدعي التفكير في المحتوى والكيفية التي يؤثر بها في الناس، وكيف يمكن لهؤلاء الذين . وتبدو أهمية هذا " تعرضوا لوسائل الإعلام اتخاذ إجراءات للتأثير في المنظومات الاجتماعية المدخل في كونه نموذجًا تفسيريّا للبيئة الإعلامية من خلال دراسة بنيتها وهيكلها والمحتوى وتأثيراته، وديناميات التفاعل بين الظاهرة الإعلامية (الصحافة الإلكترونية) وسياقاتها المركّبة -السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية- نشوءًا وتطورًا وتكيّفًا مع البيئة الاتصالية الجديدة، وأيضًا لبحث إطارها التنظيمي وعلاقتها بالإعلام التقليدي والمجتمع، والسوق الإعلامية التي تنتظم نشاطها، وكيفية استجابتها لاحتياجات المستخدمين، وطبيعة ونوع الجمهور الإعلامي الجديد الذي تستهدفه، والمجال العام الذي تتحرك فيه والثقافة السياسية التي تُنْشِئُها، وأسلوب التفكير الذي ُدثه، والتنظيم الاجتماعي الذي تخلقه.

10

إذًا، تنبع أهمية هذا الكتابمن الرؤية التركيبية لمقاربة الصحافة الإلكترونية في العالم العربي باعتبارها بيئة تتفاعل مع باقي الأنساق الأخرى التي تُشكّل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ويتزايد أيضًا حضورها في مجال استقاء الأخبار والمعلومات وكذلكفي -) Paul Mathias المجال البحثي، وتسهمفي تزويدنا -كما يقول المفكر الفرنسيبول ماتياس( بفائض من القوة الإدراكية وتُوَسّع أفق الممارسات الاجتماعية والثقافية، ونضيف إلى ذلك إثراءها لأدوات البحث وأساليب التفكير. وتأتي أهمية الكتابأيضًا منطبيعة التحولات المهنية التي يشهدها الإعلام في العالم العربي، وهي تحولاتسريعة وهيكلية، كما يقول الدكتور باسم الطويسي، أحد المُؤلّفين المشاركين في هذا الكتاب، أبرزها محاولة الإعلام التقليدي البحث عن مساحة للاستمرار في العالم الرقمي كما حدث لعدد من الصحف اليومية، وكذلك الحال في محاولات بناء نموذج اقتصادي جديد ينعتق من مرحلة التجريب والهواية، علاوة على الأدوار المتنامية للصحافة الإلكترونية في تنمية المجال العام والمشاركة الديمقراطية الوليدة في بعض المجتمعات العربية، على الرغم من أن هذه التحولات السريعة تحدث وسط حالة من الإرباك في المشهد الإعلامي، ولاسيما أن الصحافة الإلكترونية بدأت تواجه تحديات مختلفة قد تهدد وجودها. فضً عن ذلك، تسهم هذه الدراسة في إثراء الدرس الأكاديمي من خلال منظور إيكولوجيا الإعلام الذي يُقدّم، كما تلاحظ الدكتورة فاطمة الزهراء السيد، تفسيرات للتحولات والتغييرات الديناميكية التي تطرأ على طبيعة العلاقات بين الكائنات/المتغيرات التي تعمل معًا في نطاق حيوي/إنساني معين. ويسعى هذا الكتاب إلى تحقيق عدد من الأهداف، أهمها: - التأصيل المعرفي لنشأة الصحافة الإلكترونية العربية وسياقات تطورها. - تحديد سياقات التنظيم القانوني للصحافة الإلكترونية وموجبات الشرط السياسي والتكنولوجي. - إبراز دور الصحافة الإلكترونية في تشكيل أو إعادة تشكيل المجال العام. - تحديد البعد الإيكولوجي لاقتصاديات الصحافة الإلكترونية العربية. - إبراز سياقاتحرية الصحافة الإلكترونية العربية من خلال دراسة الحالة الأردنية.

11

- التعرف على تحديات الصحافة الإلكترونية العربية مهنيّا وتكوينيّا وتكنولوجيّا. - تحديد مظاهر الحالة التنافسية بين الصحافة الإلكترونية العربية ومنصات الإعلام الاجتماعي والمسارات المستقبلية. - إبراز تأثير أزمة كورونا في صناعة الصحافة والميديا. انطلاقًا من هذه الأهداف، يتناول الكتاب عددًا من المحاور بمشاركة باحثين وأكاديميين مختصين في الصحافة الإلكترونية؛ وقد تم توزيعها على الفصول الآتية: أولً: الصحافة الإلكترونية في العالم العربي: سياقات النشأة وتحديات التطور يُؤَصّل هذا الفصل لسياق نشأة الصحافة الإلكترونية في المجال العربي كاشفًا مسارات تطورها وانتقالاتها وأبعاد هويتها المهنية، وأدوار الأيديولوجيا والسياسة وجاذبية التكنولوجيا ومساهمتها فيصياغة " الإيكولوجية " فيسياقاتهذه النشأة والتطور، ويبحث العناصرالبيئية التأثيرات المتبادلة سواء في الأبعاد السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية. كما ترصد الدراسة التي أعدّها الدكتور باسم الطويسيمشكلاتومحددات الصحافة العربية التقليدية التيحملتها الصحافة الإلكترونية العربية بل وجاءت بإشكاليات جديدة، وتحديات غير مألوفة بعضها يرتبط بظاهرة الإعلام الرقمي العالمية، وأخرى ترتبط بالخصوصيات الثقافية والسياسية العربية. ثانيًا: التنظيم القانوني للصحافة الإلكترونية العربية وموجبات الشرط السياسي والتكنولوجي ترصد الدراسة تطور التنظيم القانوني للصحافة الإلكترونية العربية، وتحاول فهم حقيقة قواعده وأهدافه ومقاصده ليس في متن النص القانوني بل في محيطه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويرى الأكاديمي علي كريمي أن مقاربة الإطار القانوني للصحافة الإلكترونية تقتضياستقصاء الحقل الاستفهامي الآتي: كيف تعاملت القوانين الخاصة بالإعلام والاتصال مع تكنولوجيات الإعلام؟ وما اللحظة التي بدأ فيها تقنين هذه التكنولوجيات؟ وما علاقة الإطار القانوني لصحافة الإلكترونية بالصحافة التقليدية؟ وهل ما ينطبق على الصحافة الورقية والسمعية البصرية من ضوابط ينطبق على الصحافة الإلكترونية أم أن لهذه الأخيرة نظامًا قانونيّا خاصّا بها؟

12

ثالثًا: البعد الإيكولوجي لقتصاديات الصحافة الإلكترونية العربية: الواقع والنموذج ينطلق البحث للنظر في الجوانب الإيكولوجية للاقتصاديات المُؤَسّسَة للنشاط الإعلامي وهو يمر بمنعطف يكاد ُْدِث قطيعة مع الماضي من حيث مفاهيم الإنتاج والاستهلاك والبيع، ويُقدّم موقع الويب بديً للكتاب والصحيفة والمجلة والمذياع والتلفاز، مُسْتَغْنِيًا عن الورق والأثير والأقمار الاصطناعية، ومُعَزّزًا بصداقته للبيئة واستثماره الأقصى للموارد المالية والبشرية. وتنظر الدراسة للدكتور محمد الأمين موسى في إمكانية إيجاد نموذج عملي لاقتصاديات الصحافة الإلكترونية العربية قابل للتطبيق ضمن بيئة تواصلية تهيمن فيها وسائل التواصل الاجتماعي على اهتمامات المتواصلين وتسعى لتمكينهم من الحصول على الرسائل التواصلية الإعلامية بتكلفة تقترب من الصفر. رابعًا: الصحافة الإلكترونية العربية والمجال العام: فضاءات مشتركة للاستقطاب والمشهدية ت ُاجع هذا الفصل دور الصحافة الإلكترونية العربية في تشكيل أو إعادة تشكيل المجال العام من خلال مجموعة من الافتراضات التي ترصد انزياحها إلى التجييشوالتعبئة والإقصاء ونزوعها إلى شَخْصَنَة الأخبار والإعلام بشكل أكبر؛ فتُقدّم من الأخبار والتعليقات ما يتناغم مع أفكار القارئ المسبقة والجاهزة وتُبْعِدُه عن مواجهة الأفكار المعارضة أو المخالفة فتشجع الاستقطاب بدل الانفتاح على الحوار والتداول. ويبحث الفصل الذي أعدّه الأكاديمي نصر الدين لعياضيمسألة التفاعلية في الصحافة الإلكترونية العربية التي توحي بعرضصورة عن الرأي العام السائد في المجتمع، بينما لا تعمل سوى على تسخيرها لاصطناع رأي عام قد يكون غير موجود في الواقع. خامسًا: حرية الصحافة الإلكترونية في الأردن ومؤشرات البيئة الصديقة والكابحة للحريات تبحث الدراسة حالة حرية الصحافة الإلكترونية في الأردن ضمن سياقاتها القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتستقصي العوامل والمؤشرات الصديقة للحريات الإعلامية والأدوات الكابحة لها التي تؤثر في اتجاهاتها ومساراتها. وتفترض الدراسة، التي أنجزها الدكتور محمد الراجي، وجود علاقة تبادلية بين مظاهر البيئة الإعلامية للصحافة

13

الإلكترونية والسياق السياسي العام؛ إذ ينعكس هذا التفاعلُ بين بيئة العمل الإعلامي الإلكتروني والسياقات المختلفة في حالة الممارسة الإعلامية ونسق تغطيتها ومعالجتها للقضايا التي تهمّ الرأي العام، والإطار الوظيفي للعمل الصحفي الإلكتروني، ويؤثر أيضًا في جوهر حرية الصحافة الإلكترونية وحدودها وطبيعة أبعادها، وكذلك في المنظومة القانونية التي تؤطّر الممارسة المهنية، وعلاقة الصحافة بالسلطة والنظام السياسيعمومًا. سادسًا: أخلاقيات الصحافة الإلكترونية العربية: رؤية جديدة للممارسة المهنية تناقش الدراسة الضوابط المهنية للعمل الصحفي الإلكتروني التي قد تكون ُّشتفي ظل الهوس بالمعايير التقنيـة التـي أصبـحتتحتل الجانب الأكبر من اهتمامات المشتغلين بالصحافة الإلكترونية العربية، واللهاث وراء السبق الصحفي على حساب المعايير المهنية مما أفسح المجال واسعًا أمام الشائعات. وتحاول الدراسة التي أعدّها الدكتور المعز بن مسعود طرح رؤية جديدة لأخلاقيات الصحافة الإلكترونية العربية ترقى -مهنيّا، وقانونيّا، ومدنيّا- إلى إيجاد معايير محددة في البيئة العربية الإلكترونية، يمكن من خلالها تقييم مدى احترام المضامين الإعلامية المنشورة رقميّا وإلكترونيّا لأخلاقياتالمهنة؛ مما يساعد على الرقي بالقيمة الاحترافية للمؤسسات الإعلامية العربية العاملة في هذا المجال. سابعًا: ميكانيزمات التعايش والتنافس بين الصحافة الإلكترونية ومنصات الإعلام الجتماعي يتناول هذا الفصل واقع الصحافة الإلكترونية في عالم اليوم بصفة عامة وفي منطقتنا العربية بشكل خاص، وهو يشير إلى وجود العديد من الإشكاليات والتحديات التي فرضها بالأساس ظهور وتطور وسائل التواصل الاجتماعي بشبكاتها وتطبيقاتها المتعددة. وتسعى الدراسة للأكاديمية، فاطمة الزهراء السيد، إلى رصد وتحليل الدراسات التي اهتمت بهذه الإشكالية بهدف بلورة أهم الاتجاهات النظرية في هذا الشأن وتقديم بعض التفسيرات التي قد تسهم في الإحاطة بالمتغيرات الحاكمة لهذا الواقع وتطوراته المرتقبة مستقبً وذلك من خلال الإجابة على التساؤلات التالية: ما مظاهر الحالة التنافسية التي تعيشها الصحافة الإلكترونية العربية؟ ما طبيعة التحديات التي تواجهها؟ وما مدى تأثيرها على الأداء المهني؟

14

ما أشكال التعايش الممكنة بين الصحافة الإلكترونية العربية ومنصات التواصل الاجتماعي؟ إلى أين تتجه المسارات المستقبلية للعلاقة بين النمطين الإعلاميين؟ ثامنًا: كيف غيّرت كورونا صناعة الصحافة والميديا؟ تتناول الدراسة إشكالية تأثيرات أزمة جائحة كورونا على صناعة الصحافة والميديا في سياقاتها المتعددة الصناعية والصحفية المهنية وحتى الثقافية. وترى أن المقاربة الأسلم للتفكير في أزمة كورونا وانعكاساتها على صناعة الميديا تتمثّل في النظر إليها باعتبارها كاشفة لأزمات سابقة ولإشكاليات قديمة وعميقة وهيكلية ذات بُعد نسقي. وتلاحظ الدراسة التي أعدّها وجائحة كورونا 2009 الدكتور الصادق الحمامي، أن الدرس الأساسي المستخلصمن أزمتي هو أن الحلول المبتكرة التي انتهجتها الصحافة الإلكترونية لا تتوافر شروطها في العالم العربي لأسباب عديدة، منها أو ً: أن استراتيجية المضمون بمقابل تقتضي أن تكون هناك بيئة رقمية تصبح فيها تكنولوجيات الدفع الإلكتروني متوافرة ومتاحة وثقافة الدفع عن بُعد راسخة؛ وهذا ما لا يتوافر إلى الآن في غالبية الدول العربية. وتتمثّل الصعوبة الثانية في محدودية قدرات المواطنين على شراء المضامين الصحفية؛ ما يعنى أن الصحافة بمقابل هي صحافة بالضرورة نخبوية مخصصة لمن له القدرة على الدفع. أما الصعوبة الثالثة، فتتعلق بقدرات المؤسسات الصحفية على إنتاج المضامين الجيدة التي تستحق أن َُوّل إلى مضامين يدفع من أجلها الناس مقاب ً. وهذه المضامين على غرار التحقيقات والاستقصاء وصحافة البيانات والصحافة التفسيرية وصحافة التحري والتي يطلق عليها صحافة الجودة تحتاج إلى موارد مالية وبشرية مهمة وإلى سياق سياسي مُواتٍ لا يتوافر الآن في ظل غياب الحريات وسيطرة الدولة على الميديا والصحافة. المحرر 2020 مايو/أيار

15

الفصل الأول الصحافة الإلكترونية في العالم العربي سياقات النشأة وتحديات التطور

باسم الطويسي عميد معهد الإعلام الأردني

شهد المجال العام العربي في الألفية الجديدة تحولات متعددة بعضها عميق ونال بنى سياسية وأمنية، وبعضها بقي سطحيّا. ولعل الظاهرة الإعلامية العربية تقع في صلب هذه التحولات والتي تنطوي على العديد من المفارقات؛ حيثشهد العالم العربي عرضًا واسعًا من وسائل الإعلام التقليدية والجديدة (الرقمية) مقابل طلب واستخدام اجتماعي كبير. وفي الوقت الذي تعددتفيه السردياتحول دور الإعلام الرقميفي التحولات السياسية والربيع العربي وما قبله وما بعده، فإن ملامح ثنائية العرض والطلب وخصائصها بقيت غامضة ومتحولة من سيطرة السلطة إلى رأس المال مرورًا بالخطاب الأيديولوجي ووصوً إلى حاجة المجتمعات العربية إلى معرفة جديدة ورواية أخرى للأخبار، لكن كل هذه التحولات أكدت تعاظم مكانة الإعلام في المجتمعات العربية. وسط هذه البيئة المتحولة يبدو السؤال المركزي في هذه الدراسة: هل استطاعت الصحافة الإلكترونية (الرقمية) في العالم العربي أن تشق طريقًا واضحًا يمنحها هوية مهنية؟ وما أدوار الأيديولوجيا والسياسة وجاذبية التكنولوجيا في سياقات النشأة والتطور؟ وكيف عملت العناصر البيئية «الإيكولوجية» في صياغة التأثيرات المتبادلة سواءً في الأبعاد السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية؟ تأتي أهمية هذه الدراسة من طبيعية التحولات المهنية التي يشهدها الإعلام في العالم العربي وهيتحولاتسريعة وهيكلية وأبرزها محاولة الإعلام التقليدي البحثعن مساحة للاستمرار في العالم الرقمي كما حدث مع عدد من الصحف اليومية، وفي محاولات بناء نموذج اقتصادي جديد ينعتق من مرحلة التجريب والهواية، علاوة على الأدوار المتنامية للصحافة الإلكترونية في تنمية المجال العام والمشاركة الديمقراطية الوليدة في بعض المجتمعات العربية، على الرغم من أن هذه التحولات السريعة تحدثوسطحالة من الإرباكفي المشهد الإعلامي، ولاسيما أن الصحافة الإلكترونية بدأت تواجه تحديات مختلفة قد تهدد وجودها. فضً عن ذلك، تسهم هذه الدراسة في إثراء الدرس الأكاديمي بتقديم منظور جديد لهذا الموضوع من خلال منظور البيئة الإعلامية. لقد أسهمت وسائل الإعلام في خلق بيئة ونسق قوي داخل أنساق البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية. لقد بقيت الدراسات تركز بشكل أساسي على تأثير المحتوى الإعلامي، وعلى أهمية دراسة المحتوى إلا أنه ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام لـ»بيئة الإعلام» وكيف تسهم في ظهور وتغيير الممارسات الثقافية والسياسية.

19

. السياق الإيكولوجي لفهم تحولت الإعلام 1 لقد أسهمت وسائل الإعلام في خلق نسقٍ قوي داخل أنساق البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية. لذا، لا يمكن فهم تحولات الإعلام المعاصر دون فهم السياق الإيكولوجي، لقد بقيت الدراسات تركز بشكل أساسيعلى تأثير المحتوى الإعلامي وعلى أهمية دراسة المحتوى، إلا أن الوسائل والبيئة التي تعمل فيها الوسائل أخذا يحتلان مزيدًا من الاهتمام. إن «بيئة الإعلام» وكيف تسهم في ظهور وتغيير الممارسات الثقافية والسياسية باتت تشكّل المفتاح لفهم العلاقة المعقدة بين الإعلام والمجتمع. لقد ثبت أن كشف ملامح بيئة الإعلام تمنح قدرة على فهم الرسائل الإعلامية وفهم التأثير، وبالتالي كشف ملامح سلوك الجمهور في بعض اللحظات، كما أن البيئة الإعلامية قد . ((( تسهم في تشكيل ممارسات دولية مختلفة تذهب النظرية التاريخية للوسائط، أو نظرية الحتمية التكنولوجية، إلى أن النموذج الاتصالي القائم على الوسيلة حيث يتواصل من خلالها الناس له تأثير يتجاوز اختيار رسائل محددة أي اختيار المحتوى، لأن وسائل الإعلام ليست مجرد قنوات لنقل المعلومات بين بيئتين أو أكثر، بالأحرى هي بيئات ينمو فيها المحتوى ويتشكّل وتحدد خصائصه طرق تلقي الرسائل وطرق . ((( التفاعل معها ) كيف تفرض وسائل 1964 ( ( Marshall McLuhan ) لقد شرح مارشال ماكلوهان الإعلام نفسها على جميع المستويات خاصة الحياة الاجتماعية، وكيف تخلق هذه العملية بيئة حسية غير مرئية لنا. إن طبيعة وسائل الإعلام المستخدمة في كل مرحلة من المراحل تساعد على تشكيل المجتمع وتنظيمه أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل. وقسّم وسائل الإعلام إلى وسائل باردة وأخرى ساخنة، ويقصد بالوسائل الباردة تلك التي تتطلب من المستقبل جهدًا إيجابيّا للمشاركة والمعايشة والاندماج معها. أما الوسائل الساخنة، فهي الوسائل الجاهزة ومحددة الأبعاد نهائيّا، وهي لا تحتاج من المشاهد أو المستمع إلى أي جهد يبذله Chiara de Franco, “Media Ecology and the Blurring of Public and Private Practices: A ((( Case from the Middle East,” Politik, Vol. 19, no. 4 (2016). Joshua Meyrowitz, No Sense of Place: The Impact of Electronic Media on Social ((( Behavior (New York, Oxford: Oxford University Press, 1985).

20

للمشاركة أو المعايشة، فالكتابة والإذاعة المرئية هي وسائل باردة، أما الطباعة والسينما فهي . ((( وسائل ساخنة يذهب ماكلوهان في كتابه الشهير «الوسيلة هي الرسالة» إلى فكرة «القرية العالمية» التي سكّها لأول مرة في نهاية الستينات وأن الوسائل الإلكترونية الحديثة ربطت أطراف العالم ببعضه وقرّبت المجتمعات وكذلك الجماعات داخل المجتمع الواحد، وبالتالي فإن المجتمع البشري لن يعيش في عزلة بعد الآن، وهذا ما يدفع البشر إلى التفاعل والمشاركة فقد تغلبت الوسائل الإلكترونية على القيود والوقت والمسافة وأدت إلى بروز اهتمام المواطنين بالدول الأخرى؛ فالرصد الذي اتبعه في تطور المجتمعاتوتحولها من الثقافة الشفهية إلى اللغة المكتوبة ومن الثقافة المكتوبة إلى الثقافة الإلكترونية جعله يتصور أنه أدرك نهاية هذا التطور باكتمال بناء القرية العالمية التي تتوحد فيها حاجات الناس ومتطلباتهم إلى جانب وعيهم ومواقفهم ورؤاهم وربما مشاعرهم حيال الآخرين والأشياء. تتمحور معظم دراسات منظور البيئة الإعلامية على مساهمات مدرسة تورنتو، ومدرسة نيويورك (المدرسة الأميركية للدراسات الثقافية). ويعتقد أن أول من وضع مصطلح الحتمية ( عالم الاجتماع 1857 - 1929 ( ( Thorstein Veblen ) التكنولوجية هو ثورستين فيبلبن ) أكثر الحتميين Clarence Ayres والاقتصادي الأميركي. يرجح أن يكون كلارنس أيريس( التكنولوجيين راديكالية في الولايات المتحدة في القرن العشرين، وعلى هذا الأساس وضعت المدارس الفكرية السابقة أطروحاتها الكبرى في بحوث بيئة الإعلام التي وصلت ذروتها في مساهمات مارشال ماكلوهان حيث استفادت تلك المدارس من نظرية النظم ومن نتائج . ((( بحوث علم الأحياء 1968 أول من سكّ مفهوم البيئة الإعلامية في عام ) Neil Postman ( يُعَدّ نيل بوستمان وقصد به الأنساق التي تعمل فيها وسائل الإعلام؛ حيث تنظر بيئة الإعلام إلى مسألة كيفية تأثير وسائل الاتصال والإعلام على الإدراك البشري، والفهم، والشعور، والقيمة؛ وكيف أن تفاعلنا مع وسائل الإعلام يسهل أو يعوق فرصنا في البقاء. وأن لكلعصروسائط اتصالية هي Marshall McLuhan, Understanding Media: The Extensions of Man (New York: McGraw- ((( Hill, 1964). Merrit Roe Smith and Leo Marx, Does Technology Drive History? The Dilemma of ((( Technological Determinism (London: The MIT Press, 1994).

21

أدوات التغيير في ذلك العصر، ويطرح النهج الإيكولوجي لوسائل الإعلام حسب بوستمان ثلاثة أسئلة: ما الآثار الأخلاقية للوسائط التكنولوجية؟ هل النتائج والتأثيرات أكثر إنسانية . ((( أم معادية للإنسانية؟ هل نكسب، كمجتمع، أكثر مما نخسره، أم أننا نخسر أكثر مما نكسبه؟ هناك العديد من التعريفات لماهية علم البيئة الإعلامي. معظم التعريفات المعروفة وردت ). حسب نيل Kristina Nyström عن نيل بوستمان، ولانسكتر ستير وكريستين نيستروم ( بوستمان، يعني علم البيئة الإعلامي ذلك المنظور الذي يقدم فهً للتفاعل بين الإعلام والبشر ويعطي ثقافة قد تميز عصرًا بأكمله، وقال: إن مصطلح إيكولوجيا وسائل الإعلام أُخذ في الاعتبار لجعل الناس أكثر وعيًا بحقيقة أن البشر يعيشون في نوعين مختلفين من البيئات؛ واحد هو البيئة الطبيعية، وتتكون من أشياء مثل الهواء والأشجار والأنهار واليرقات، والآخر هو البيئة الإعلامية، التي تتكون من اللغة والأرقام والصور المجسمة وكل الرموز . قدم الجيل الثاني من مفكري مدارس ((( الأخرى والتقنيات التي تجعلنا على ما نحن عليه ) إسهاماتٍ مهمة في Robert Logan الحتمية التكنولوجية وعلى رأسهم روبرت لوغان ( فهم بيئة التكنولوجيا الرقمية المعاصرة حيث أكد أن النظام الإيكولوجي المعاصر يتكون من ثلاثة عناصرأساسية هي البشرووسائل الإعلام والتكنولوجيا وأن التفاعل بين هذه العناصر جاءت الصحافة الإلكترونية (الرقمية) امتدادًا لمنتجات شبكة الإنترنت، وبدت أيضًا امتدادًا للصحافة التقليدية مع تغييرٍ جوهري في أوعية وأشكال العرض والتلقي؛ إذ اكتفت بإعادة إنتاج المضامين الصحفية والإذاعية والتليفزيونية. ولأن شبكة الإنترنت بحد ذاتها نامية ومتحولة، فقد شقّت الصحافة الإلكترونية طريقها في التحول والنمو وأخذت تبتكر Neil Postman, “The humanism of media ecology,” Proceedings of the Media Ecology ((( Association, Vol. 1 (2000): 10-16. Alexandra Salas, “Media Ecology Comes into Its Own,” The Education Digest, Vol. 4 ((( (2007): 62-66. . ((( يسهم في فهم أفضل للكثير من الظواهر الاجتماعية المعاصرة . الصحافة الإلكترونية: المقاربة النظرية المبكرة 2 Octavio Islas and Juan David Bernal, “Media Ecology: A Complex and Systemic Met ((( discipline,” Philosophies 1, no. 3 (2016).

22

عالمها الخاص، حيث طورت نماذجها وأدواتها ولم تكتف بالشكل والعرض وطرائق التلقي والتفاعل بل شملت تطور المضمون وطرق جمع المعلومات ومعالجتها. ومع نمو الشبكة العالمية للمعلومات ودخولها في اشتباك متعدد مع التطبيقات الإعلامية الرقمية، استمرت في توفير أدوات مساعدة في إنتاج وإدارة المحتوى الإعلامي، إلى أن ظهر ) في مطلع التسعينات، بعد On Line Journalism أول أشكال الصحف الإلكترونية ( في التعاون الذي تم بين مؤسستي 1976 ) التي تعود جذورها إلى عام Tele Text خدمة ( ) وعُرف Ceefax )، حيث عُرف نظام المؤسسة الأول باسم ( IBA ) والإخبارية ( BBC ( ((( .( Oracle ) نظام المؤسسة الثانية باسم وعلى الرغم من عدم القدرة على تحديد تواريخ دقيقة لنشوء الصحافة الإلكترونية فإن صحيفة (هيلزنبورج داجبلاد) السويدية يعتبرها كثيرون أول صحيفة في العالم تنشر إلكترونيّا . ((( 1990 على شبكة الإنترنت عام ، أنشأت (شيكاغو أون لاين) أول صحيفة إلكترونية على شبكة (أميركا 1992 وفي عام . وحسب وجهة نظر أخرى، فإن أول موقع إلكتروني صحفي انطلق من كلية ((( أون لاين) (. وفي منتصف Polo Alto ) ((( ، وهو موقع 1993 الصحافة والاتصال في جامعة فلوريدا عام ) في الوقت الذي Multimedia التسعينات، ظهرت خدمات الوسائط الإعلامية المتعددة ( 1991 ) صحف إلكترونية عام 10 أخذ النشر الصحفي الإلكتروني ينتشر بسرعة واسعة من ( . ((( ) صحيفة 4 , 000 إلى ( 2000 ، ووصل العدد عام 1996 ) صحيفة عام 1 , 600 إلى نحو ( ، 1995 أبريل/نيسان 19 )، في Oklahoma تُعَدّ تغطية أخبار انفجار مدينة أوكلاهوما ( نقطة مرجعية ملائمة لرصد بداية مبكرة تميز الصحافة الإلكترونية عن الصحافة الورقية في Kevin Kawamoto, Digital Journalism: Emerging media and the changing Horizons of ((( Journalism (Rowman & Littlefield, 2003), 32-33. Ibid, 42. ((( ، )2003 أبوظبي، الظفرة للطباعة، ( ، صحافة الإنترنتوقواعد النشر الإلكترون عباسمصطفىصادق، ((( .35-26 ص Kawamoto, Digital Journalism, 33. (((

Ibid, 34. (((

23

مصادرها وطرق معالجتها حينما التفتت إلى المصادر الإعلامية المفتوحة بشكل مثير للانتباه، وهو الحدث الذي اعتُبر في حينه أسوأ «انفجار إرهابي» على أرض الولايات المتحدة وقُتل شخصًا، وفي الوقت الذي بقيت فيه وسائل الإعلام التقليدية تعاني فقرًا واضحًا في 168 فيه المعلومات حول الحدث الكبير استطاعت المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت أن تتحول إلى مصدر مفتوح للمعلومات الإخبارية من خلال انفتاحها على مصادر متعددة وواسعة يمثلها أفراد ومؤسسات أهلية؛ حيث تم نشرخارطة للمدينة وموقع الانفجار ورسم مفصّل عن الأنواع المختلفة للقنابل المستخدمة في الهجمات خلال الساعة الأولى من الانفجار، وفي أماكن متعددة على الشبكة قامت مصادر متعددة أخرى بوصف مشاهد الحدث، وقام آخرون بالتطوع في كتابة تقارير إخبارية حول التفاصيل، وأخذت مواقع تنشر أسماء الناجين . ((( والمستشفيات التي استقبلتهم ) التي TWA 800 ، تكرر الأمر بشكل لافت مع حادث ارتطام طائرة ( 1999 وفي عام غرقت في المحيط الأطلسي، حيث وفرت مصادر الإنترنت المفتوحة مئات الشهادات حول الحادث، وصلت إلى إثبات ارتطام الطائرة بمنطاد عسكري على الشاطئ. أخذت الصحافة الإلكترونية تذهب أكثر في تمييز نفسها وأن لا تكون مجرد نسخة من الصحف الورقية على الشاشات، وأخذ هذا النهج أحيانًا طابع الإعلام البديل؛ أفقيّا تبرز ) وهيمجموعاتمن الوكالات Indy Media منخلالشبكة ( 1999 بشكل يُعْتَدّ به منذ عام الإخبارية الداعية إلى إعلام بديل ع ّت عنه بالمقاومة لمنظمة التجارة العالمية، وسط صعود حركة الليبراليين وهجمة السوق الجديدة التي اجتاحت العالم في التسعينات من القرن الماضي؛ . ((( حيث أسهمت هذه المصادر في إدارة حركة الاحتجاج العالمي ودعت إلى العولمة البديلة إن الانفجار الهائل في مصادر المعلومات الإعلامية المفتوحة بدأ عهدًا جديدًا أكثر كثافة وتنوعًا مع مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بفضل الاندماج بين التكنولوجيا والإعلام، حيث ازدادت جاذبية وسائل الإعلام لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة من جهة،

Ibid, 34-35. (((

Karthika Muthukumaraswamy, “When the media meet crowds of wisdom: How ((( Journalists are tapping into audience expertise and manpower for the processes of newsgathering,” Journalism Practice, Vol. 4, no. 1 (2010): 48-65.

24

وازدادت قدرة المنتجات التكنولوجية الجديدة على القيام بالوظائف الإعلامية بكفاءة مدهشة وسهولة، ويبدو ذلك واضحًا في الاندماج الهائل في تطبيقات ومنتجات (الأقمار الصناعية، والكوابل، والألياف، والحاسبات، والأجيال المتلاحقة من الهواتف المحمولة) ما أوجد آلاف التطبيقات الجديدة التيصبتجميعها في مصلحة الدخول في مسار تاريخي جديد من المصادر. وتُرصَد ملامح هذه البيئة مع مطلع الألفية بما يلي: - تعدد وتنوع مصادر المعلومات الإعلامية بشكل كبير خلق لأول مرة بداية موت المرسل . ((( التقليدي وبداية نهاية الاتصال الجماهيري وفق نموذجه التقليدي -كثافة هائلة في مصادر المعلومات وآليات نقلها مقابل طلب هائل واستهلاك واسع؛ حيث إن الوسائل الجديدة بدأت تغّ هيكل وبنية الإعلام، وكأنها صممت على أن لا تقبل . ((( سيطرة مركزية، بل إن السيطرة عليها موزعة بين جميع المستخدمين - زيادة حجم ونوع المعلومات الإعلامية المتاحة من خلال الاعتماد المتبادل بين وسائل . ((( الإعلام التقليدية والجديدة معًا - التكاملوالاندماج بين المصادر الإعلامية منخلال ما وفرته تكنولوجيا الاتصال متعدد . ((( الوسائط وتكنولوجيا الاتصال التفاعلي بتطبيقاتهما المتعددة والمبتكرة على الشبكة وخارجها - بداية ميلاد صحافة المواطن وانتشارها مع مطلع الألفية، أي الانتقال من الاتصال العمودي ذي الاتجاه الواحد إلى الاتصال الأفقي. إن التصدي لمعرفة السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي لتطور الصحافة الإلكترونية في العقود الثلاثة الأخيرة يفتح المجال للبحث في فهم بيئة هذا التطور، وهذا ما يتطلب التناول في ثلاثة مستويات: Steven Chaffee and Miriam J. Metzger, “The End of Mass Communication,” Mass ((( Communication and Society, Vol. 4, Issue 4 (2001): 365-380. Rab Cover, “New media Theory: Electronic Games Democracy and Reconfirming, the, ((( Author–Audience Relationship,” Social Semiotic, Vol. 4, no. 2 (August 2004): 177- 191. Ibid. (((

Chaffee and Metzger, “The End of Mass Communication,” 371. (((

25

والعلاقة بين نظرية «دفع - المستوى الأول: البيئة التكنولوجية والاقتصادية التكنولوجيا وجاذبية السوق» في النشأة وفي مرحلة الانتقال الرقمي من الصحافة الإلكترونية القائمة على أدوات تقليدية في نهاية التسعينات إلى صحافة إلكترونية-رقمية بأدوات جديدة وبداية تشكّل هوية مهنية مختلفة، ما قاد إلى نهاية نماذج اقتصادية تقليدية وبداية تشكل نماذج . ((( اقتصادية جديدة يرتبط بالأبعاد السياسية والأمنية والمجتمعية؛ - المستوى الثاني: مصادر جديدة للقوة، هذه البيئة معنية بمفهوم القوة وكيف تغّ وما زال يتغير نتيجة الاستخدام الواسع للإعلام الرقمي ومنه الصحافة الإلكترونية، بمعنى نهاية أو تراجع مصادر تقليدية وبداية تشكّل ونضوج وإحلال مصادر جديدة. لقد عمل الإعلام التقليدي على السيطرة على التراتب الهرمي للسلطة وإعادة ترتيبه من جديد، أي المساهمة منذ عصر التنوير في خلق الإطار الإيكولوجي الذي عملت فيه الصحافة على الانتقال منسلطة الأفراد إلىسلطة النخبفيسياق التحولات الديمقراطية التاريخية، أما الإعلام الرقمي فيعمل على تفتيت مركزية السلطة، ثم السيطرة على السرعة المميزة التي تجعل . إن الإعلام الرقمي الجديد ((( من لديهم معرفة يصلون قبل غيرهم ما يمكّنهم من السيطرة يشكّل في هذا الوقت انتقالة كبرى لا تقل أهمية أو تأثيرًا عن الانتقالة التي أحدثتها المطبعة. وأحد العوامل الأساسية في تشكيل القوة الجديدة في العالم تغيير بيئة العملية الاتصالية ما يقود إلى التغيير الأكثر خطورة من الهرمية العمودية إلى الخطة الأفقية في القوة، أي الشبكية، بمعنى الانتقال من قوة يصوغها الأرستقراطيون والطليعة والنخب والقبائل والأحزاب والقادة إلى قوة يُشكّلها عامة الناس ولكل فرد منهم حصة يتأهل لها بقدرته على الوصول إلى المعلومات. هذا الانتقال يقود من الحتمية إلى الاختيار ومن التلقي إلى المشاركة، ومن احتكار القوة إلى تجزئتها، لقد كانت قوة الناس موجودة و ُشى منها في كل العصور وما كان ينقصها سوى التنظيم وهو ما تفعّل جانبًا مهّ منه بيئة الاتصال والإعلام الجديد. لا يمكن فهم نشأة وتحولات الصحافة - المستوى الثالث: مهن جديدة وتنظيم جديد، ، (تونس، سلسلة الميديا الجديدة: الإبستمولوجيا والإشكاليات والسياقات الصادق الحمامي، ((( .29-28 ،ص )2012 البحوث والمنشورات الجامعية بمنوبة، Joseph S. Nye, The Future of Power (New York: The Perseus Books Group, 2010), ((( 96.

26

الإلكترونية ومستقبلها القريب بدون فهم التحولات المهنية والتنظيمية في بيئة العمل الصحفي سواءً التحولات المرتبطة بالتطور المهني ومدى الاستجابة لمتطلبات الانتقال بالمهنية الصحفية إلى منظور جديد وأدواتجديدة وأدوات التنظيم الذاتي والأخلاقي التي احتاجت إلى استجابة من نوع آخر. فالصحافة الإلكترونية ليست مجرد تكنولوجيا تطبيقية تتيح المجال بسهولة للوصول إلى المحتوى الصحفي، وتنزيل الصفحات، وسهولة البحث والوصول إلى الأخبار، وتحديث المحتوى، والتفاعل من خلال التعليقات وتوظيف الوسائط المتعددة، بل باتت هذه الأدوات تشكّل بيئة جديدة للمهنة الصحفية عبر كتابة جديدة، وأساليب عرضوتلقّ جديدة، وطرق مختلفة للوصول إلى المعلومات ومعالجتها. إن التأصيل المعرفي لفهم سياق الصحافة الإلكترونية يحتاج التمييز بين مفهوم (الوسيلة أو الوسيط) ومفهوم المنظومة متعددة الوسائط؛ الوسيلة أو الوسيط مفهوم يشير إلى عملية مركزية تشمل أنشطة اتصالية خارجة عن إرادة المستخدم أو المتلقي، أي عملياتخارجة عن تحكم المتلقي، هنا نفهم كيف تعمل الصحيفة باعتبارها وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات دون تدخل القرّاء، أو التليفزيون والإذاعة، وهو أمر لا يعني أن هذا النقل يتم بحيادية تامة دون مؤثرات بيئية أخرى. أما المنظومة، فهي مجموعة من الوسائط المتعددة والمتداخلة والمتزامنة أيضًا، أي أكثر تعقيدًا وتتيح مجاً أوسع للمشاركة والتفاعل المباشروغير المباشر؛ والمثال على ذلك الموقع الإلكتروني فهو أكثر منمجرد وسيلة، إنه منظومة من الوسائط والوسائل التي تتيح . ((( لك أن تقرأ وأن تشاهد وأن تستمع وأن تتفاعل وتشارك وأن تختار في الوقت نفسه ويصنّف الصادق حمامي ثلاث منظومات على الشبكة، هي: المنظومة (الفردية-الجمعية) مثل المدونات، وشبكات التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، ومواقع الويكي، والمنظومة المؤسسية-مواقع المؤسسات العامة والخاصة والأهلية وغيرها من أشكال التنظيم . ((( المؤسسي، والمنظومة الإعلامية-الصحفية ومنها الصحافة الإلكترونية

.83 ، مرجع سابق،ص الميديا الجديدة الحمامي، ((( .88-84 المرجع السابق،ص (((

27

. مراحل نشأة وتطور الصحافة الإلكترونية العربية 3 توجد إشكالية في تعريف الصحافة الإلكترونية في السياق الثقافي والأكاديمي العربي؛ وهو إشكال له جذوره أيضًا في سياق الكتابات الغربية، والرأي الغالب أن الصحافة الإلكترونية تشمل الصحفالإلكترونيةسواءً كانلها مثيل أو أصلمطبوع أو مرئي أو مسموع أو الصحافة الرقمية الخالصة التي انطلقت من حقيقة العالم الرقمي واستخدمت أدوات العالم الرقمي، حيث عرفت بدايات الصحافة الإلكترونية في العالم العربي ثلاثة أنماط أساسية؛ الأول: ، والثاني: المواقع الإلكترونية الأقرب إلى 1995 الانطلاق من الصحافة المطبوعة في نهاية عام البوابات الإعلامية في نهاية التسعينات، والثالث: الانطلاق من المواقع الإلكترونية الإخبارية . 2000 مباشرة وعرفها العالم العربي منذ عام مرّت الصحافة الإلكترونية في العالم العربي بمراحل مشابهة لما شهدته جهات متعددة من العالم، ولكن ببطء وصعوبة في الانتقال، فما زال الإعلام العربي في المجمل يعاني من استمرار الأنماط التقنية التقليدية ومن سيطرة الأنماط التحريرية التقليدية ولم يكتمل فيه التحول الرقمي. وفي المجمل، يمكن تقسيم مراحل نشأة وتطور الصحافة الإلكترونية في العالم العربي إلى ثلاث مراحل أساسية: ) 1999 - 1995 أولً: مرحلة النشأة المبكرة ( كانت بداية الصحافة الإلكترونية العربية في منتصف التسعينات امتدادًا للصحافة الورقية؛ إذ كان ناشرو الصحف الورقية هم المبادرين لإطلاق مواقع إلكترونية موازية للصحف المطبوعة تنقل النسخة الورقية على الشبكة الجديدة كما هي؛ ففي التاسع من سبتمبر/أيلول ، ظهرت أول نسخة إلكترونية من الصحف العربية باللغة العربية وهي لصحيفة الشرق 1995 الأوسط على شكل صور، ثم تبعتها صحيفة النهار اللبنانية في الأول من يناير/كانون الثاني . ((( ، ثم صحيفة الحياة بعد ستة أشهر من نفس العام 1996 على عكس ما شهدته الصحف الإلكترونية الأميركية والأوروبية من نمو سريع في التسعيناتمن القرن العشرين، فقدشهد العالم العربي نموّا تدريجيّا، فحتىنهاية التسعيناتكان .) 2007 ، (القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، الصحافة الإلكترونية رضا عبد الواحد أمين، (((

28

، 1995 صحيفة إلكترونية عربية تصدر بالعربية والإنجليزية والفرنسية. في عام 60 هناك نحو ظهرت نسخة إلكترونية منصحيفة الخليج باللغة الإنجليزية في الإمارات، والشرق الأوسط صحفعربية على الإنترنتهي (الأيام 8 ، ظهرت 1996 السعودية الصادرة في لندن، وفي عام البحرينية والدستور الأردنية والاتحاد الإماراتية والأيام الفلسطينية والحياة اللندنية والسفير صحف جديدة عالم 9 ، دخلت 1997 اللبنانية والجوردن تايمز والوطن الكويتية)، وفي عام صحفجديدة، ويلاحظ أن منطقة دول الخليج احتلت 4 ، أضيفت 1998 الإنترنت، وفي عام . ((( المرتبة الأولى في بداية التحول الرقمي ثم لبنان والأردن ومصر بقيت الصحافة الإلكترونية العربية خلال هذه المرحلة مشابهة تمامًا للنسخ الورقية، نتيجة ضعف رؤية القائمين عليها لماهية هذا النمط من الصحافة وطبيعة التحول التاريخي َ في النسخة الإلكترونية عن الأصل الذي يشهده العالم؛ حيث لم يتغير المضمون الذي يُن في الصحف الورقية ولا طريقة التحرير أو سرعة نشر الأخبار والمواد الصحفية حيث كانت ساعة ليتم تحديثها من جديد، كما هي الحال في طريقة الإخراج 24 المواقع الصحفية تحتاج إلى ) أيصورة PDF وعرضالمحتوى فيما ذهبت بعضالصحف إلى عرضالمحتوى علىصيغة ( عن النسخة الأصلية. ) 2010 – 2000 ثانيًا: مرحلة النتشار ( لا شك أن هذه المرحلة تُعَدّ امتدادًا للتطور الذي سبقها في مرحلة النشأة المبكرة، وفي المجمل هناك ثلاثظواهر بارزة شهدتها هذه المرحلة: بداياتظهور مواقع إخبارية إلكترونية مستقلة عن الصحافة الورقية ولا علاقة مؤسسية تربط بينهما، وظهور البوابات الإلكترونية العامة التي قدمتخدمات إخبارية وتوثيقية عكستشكً من أشكال الصحافة الإلكترونية. وأخيرًا، ازدهار التدوين الصحفي الذي مارسه بالدرجة الأولى صحفيون محترفون بشكل مستقل. في بدايات هذه المرحلة بقيت الصحافة الإلكترونية العربية تعتمد في بثها للمادة الصحفية

Fayez Alshehri, “Electronic Newspapers on the Internet: a study of the production and ((( consumption of Arab dailies on the World Wide Web” (PhD, thesis, University of Sheffield, 2001).

29

)، وتقنية Text )، وتقنية النص ( Image على ثلاث تقنيات، هي: تقنية العرض كصورة ( . هذه التقنيات وإن اختلفت فيما بينها على مستوى عرض المادة وتخزينها ودرجات )PDF( توفير المرونة في استرجاع المعلومات، فهي تلتقي في كونها تكتفي بتوفر النشر الإلكتروني على . ((( الإنترنت وتضاعف هذا العدد في 2000 صحيفة ومجلة ودورية عربية سنة 350 تم رصد أكثر من وازداد مع بدء حراك 2005 السنين القليلة التالية، وقد بدأ تأثير المدونات العربية منذ العام سياسيفي المنطقة، وبداية ارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير والإصلاح، قبل انطلاق ما يُعرف بالثورات العربية. ولعب المدوّنون دورًا بارزًا وشاركوا بقوة في الدفع نحو التغيير وزيادة الوعي السياسيوالاجتماعي، خاصة بين الشباب. لقد شكّل هذا النشاط شكً من الصحافة البديلة التي أسست الأنوية الأولية لمجال عام عربي جديد تدور فيه نقاشاتجديدة، وسوف تكون هذه المقدمات الأسس الموضوعية لتحولاتجوهرية في العقد التالي. استطاع المدونون رفع هامشحرية التعبير عبر تسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية كانت تُعدّ سابقًا من «التابوهات»، كما استطاعوا دفع قطاع كبير من مستخدمي الإنترنت، معظمهم من الشباب، إلى التفاعل مع ما يطرحونه، وتشجيعهم على المشاركة الإيجابية. و ُثّل مصر أكبر تجمع للمدوّنات ويُقَدّر بثلث المدونات العربية، تليها السعودية، ثم الكويت، ثم . ((( المغرب شكّل النصف الثاني من هذا العقد بداية انتشار الصحافة والمواقع الإخبارية الإلكترونية، حيث أخذت الصحف الإلكترونية تبلور سياساتها التحريرية بوضوح أكثر مع استمرار أنماط الكتابة التقليدية وتواضع في مهارات الكتابة للإنترنت أي الإرهاصات الأولى للمهنية والاحتراف، ولكنها لم تنضج بشكل واضح، وبقي العدد الأكبر من الصحف الإلكترونية مجرد مبادرات فردية. لقد تزامنت هذه المرحلة مع ظهور الجيل الثاني من شبكة الإنترنت، الذي وفر المزيد من الأدوات للتفاعلية من خلال الصحافة الإلكترونية، إلى جانب ظهور مواقع التواصل ، (الجزائر، جامعة الجزائر، الهوية الثقافية العربية من خلال الصحف الإلكترونية سعد ولد جاب الله، ((( . 98 - 89 ،ص )2006 ، 2012 يناير/كانون الثاني 4 ، شبكة ضياء آمنة نبيح، «ماهية الصحافة الإلكترونية وعوامل تطورها»، ((( . https://bit.ly/2OtSgDx ،) 2018 سبتمبر/أيلول 1 (تاريخ الدخول:

30

الاجتماعي التي سوف تغير من سلوك المستخدمين وطرق التعامل والتفاعل مع المصادر الإخبارية؛ الأمر الذي زاد من جاذبية الصحافة الإلكترونية أحيانًا ودخولها في تحديات جديدة في أحيانٍ أخرى، وعلى كل الأحوال شهدت هذه المرحلة المزيد من حضور الصحافة الإلكترونية في العالم العربي واشتباكها مع قضايا الرأي العام. في الحالة المغربية، أسهمت عدة ظواهر في إقناع المواطنين بأن الأخبار الواردة في الإنترنت أصبحت ذات مصداقية، حسب ما ورد في (الكتاب الأبيض لتأهيل الصحافة الإلكترونية في المغرب)، وأبرز هذه الظواهر حركة الصحفيين المهنيين المشتغلين سابقًا في الصحافة الورقية والذين انخرطوا في الصحافة الإلكترونية بإنشاء مواقعهم الخاصة. فقد أحس بعضهم أن مستقبل الصحافة المكتوبة سيُحسم في عصر الإنترنت، وسيكون من السهل عليهم إنشاء مشاريعهم الإعلامية الخاصة دون استثمار مالي كبير. إلى جانب اعتقاد بعض الصحفيين المحترفين بأن الصحافة الإلكترونية سوف تمنحهم هامشًا تحريريّا أوسع. وأسهم الحضور المتنامي لصحفيين أو ملاك صحف ورقية سابقين في إضفاء مزيد من الحضور والمهنية على الأخبار وأخبار الوسائل الرقمية، تزامن هذا التطور مع تحولات اجتماعية وسياسية عابرة حيث حظي الربيع 2010 للحدود أخذت تشهدها مجتمعات عربية مجاورة منذ أواخر عام . ((( العربي بالمتابعة الواسعة من قبل الصحافة الإلكترونية في الحالة الأردنية أسهم خروج الكثير من الصحف الإلكترونية من رحم الصحف الأسبوعية في إضفاء نوع من الشعور العام وسط الجمهور بأن المواقع الإخبارية الإلكترونية تتمتع بهامش أوسع من الحرية، وأنها باتت تشكّل ساحة متقدمة للمساءلة ومتابعة الأداء العام، وحتى وقتقريبمنتحولات الربيع العربي كانت الصحافة الإلكترونية في الأردن غير خاضعة لأحكام قانون المطبوعات والنشر الذي عاد لاحقًا وقيدها، لذا، استطاعت الصحافة الإلكترونية في هذه المرحلة الاستثمار المهني والسياسيفي ميزة التفاعلية حيث شكّلت ساحة متعددة المنابر للحوار من خلال التعليقات التي طالما أسهمت في مساءلة السياسات العامة . ((( والمسؤولين الكتاب الأبيض لتأهيل الصحافة الإلكترونية المغربية: تحديات وزارة الاتصال (المملكة المغربية)، ((( .) 2013 ، (الرباط، وتوصيات UNESCO, “Assessment of Media Development in Jordan, Based on UNESCO’s ((( Media Development Indicators,” (2015), “accessed September 1, 2018”. https://bit.

31

– الوقت الحاضر) 2011 ثالثًا: مرحلة التـأثير والتنافس ( شهدت السنوات الأخيرة، عشية ثورات الربيع العربي، زرع بذور مرحلة جديدة في تطور الصحافة الإلكترونية العربية جاءت نتائجها في انبثاق دور أكبر وحضور أوسع للصحافة الإلكترونية في الحياة العامة ومساهمة كبيرة في بداية تشكّل مجال عام جديد في العالم العربي مع ، وتُرصَد أبرز مظاهر التحولات التي شهدتها هذه 2011 الثورات والتحولات العربية في عام المرحلة بما يلي: . التوسع الكمي الكبير في الصحف الإلكترونية: لقد شهدت سنوات العقد الراهن 1 تزايدًا كبيرًا في أعداد الصحف الإلكترونية؛ فقد اكتمل وجود نسخة إلكترونية لمعظم الصحف اليومية والأسبوعية وبات يندر وجود وسيلة إعلامية بدون وجود موقع إلكتروني يقدم خدمات إخبارية أو خدمات رقمية توفر المحتوى الذي تقدمه الوسيلة الإعلامية. التطور المهم هو التوسع الكمي الكبير في أعداد الصحف الإلكترونية غير المنتمية لوسائل الإعلام التقليدية وأصبح في كل بلد مئات الصحف من هذا النوع وبلغ عدد هذه الصحف موقعًا بعد 175 موقع إلكتروني إخباري وتراجع إلى نحو 400 نحو 2011 في الأردن في عام تعديلاتعلى قانون المطبوعاتوالنشرالذي أعاد تعريفالمطبوعة الصحفية لتشمل الصحف . وفي المغرب، تنامى عدد ((( الإلكترونية وبالتالي تطلب منها الحصول على الترخيص الرسمي . ((( صحيفة إلكترونية 500 إلى نحو 2012 الصحف الإلكترونية ووصل في عام عشية اندلاع أولىشرارة الربيع العربي كانت تونس تتمتع بأفضل بنية تحتية في التكنولوجيا % بينما الوصول إلى الإنترنت 127 الرقمية في إفريقيا، وتجاوزت نسبة انتشار الهواتف المتنقلة . وعلى الرغم من البنية التكنولوجية المتقدمة، فقد تعرضت الصحافة الإلكترونية ((( % 36 ly/2fCrwUa. UNESCO, “Assessment of Media Development in Jordan, Based on UNESCO’s ((( Media Development Indicators,” (2015), “accessed September 1, 2018”. https://bit. ly/2RCz2O3. ، مرجع الكتاب الأبيض لتأهيل الصحافة الإلكترونية المغربية وزارة الاتصال (المملكة المغربية)، ((( سابق. UNESCO, “Assessment of Media Development in Tunisia, Based on UNESCO’s Media ((( Development Indicators,” (2012, 2013), “accessed September 1, 2018”. https://bit.

32

في عهد ما قبل الثورة للقمع والتضييق والملاحقة، وتضاعفت أعداد الصحف الإلكترونية أضعافًا وأصبحت بالمئات ولا يمكن تحديد إحصاء لها حسب تقرير الهيئة العليا لإصلاح . تكرر هذا الأمر بسيناريوهات مختلفة في التطور الكمي للصحافة الإلكترونية 2012 الإعلام في مصر حيث شهدت تضاعفًا كميّا كبيرًا لأعداد الصحف وتنوعها مع تزايد عمليات الحجب. في توسيع 2011 كما أسهمت الأحداث الداخلية في نموذجي المغربوالأردن فيما بعد عام قاعدة جمهور الصحافة الإلكترونية وتعزيز مكانتها، في المغرب، (حظيت نشاطات حركة 9 فبراير، ومختلف المحطات السياسية المهمة التي تلت بروز الحركة كالخطاب الملكي لـ 20 نوفمبر/تشرين الثاني وتشكيل الحكومة 25 وانتخابات 2011 ، ودستور 2011 مارس/آذار الجديدة، بتغطية إعلامية واسعة). وقد أسهمتسرعة المواقع الإخبارية الإلكترونية وتبنيها )، في توسيع الهوة التي تفصلها نسبيّا عن الصحافة الورقية 2 . 0 منطق القرب (ثقافة الويب والإعلام السمعي البصري العمومي، وربحت الرهان باعتبارها وسائل الإعلام تجسد منطق القرب ومواكبة للمستجدات بشكل أسرع. في الأردن، تابع العديد من المواقع الإخبارية ) في الوقت الذي كانت وسائل 2013 - 2011 الإلكترونية حالة الحراك الشعبي الأردني ( الإعلام التقليدي تتجنب بشكل أو آخر متابعة هذه التطورات ولم تستطع تطوير آلية للتعامل الإعلامي معها، في حين أسهمت الصحافة الإلكترونية من خلال السرعة وقوة التفاعلية في إثراء الحراك الشعبي بزخم جديد ما جعل البيئة السياسية والاجتماعية المحلية أداة لدعم هذه . ((( الصحافة لتحتل مكانة مركزية باعتبارها مصدرًا أساسيّا لحصول الجمهور على الأخبار . التطور المهني، شهدت الصحافة الإلكترونية العربية ظهور صحف جديدة أكثر مهنية 2 وأكثر قربًا للمعايير الجديدة للاحتراف الصحفي الرقمي التي باتت تنضج على المستوى العالمي، مع استمرار الضعف المهني طابعًا عامّا. الجيل الجديد من هذه الصحفجاء أكثر قدرة على التمييز بين المحتوى الإعلامي التقليدي والمحتوى الصحفي للإعلام الرقمي، ولديه قدرة على الاستفادة من الأدوات الرقمية الجديدة في عرض المحتوى وفي الوصول إلى الجمهور، وفي التعامل المهني مع المحتوى الذي ينتجه ly/2qwdU0p. ، مرجع الكتاب الأبيض لتأهيل الصحافة الإلكترونية المغربية وزارة الاتصال (المملكة المغربية)، ((( سابق.

33

الجمهور. وبرزت صحف ومجلات إلكترونية استوعبت جانبًا من التطور المهني وفهم طبيعة المحتوى الجديد وأدواته، وقد لا يتفق التطور المهني مع مؤشرات الشعبية وعدد متابعي هذه ولبنان 22 الصحف. وفي هذا المجال وعلىسبيل المثال برز حضور موقع مدى مصر، ورصيف المغرب. 24 ديبايتفي لبنان، وحبر في الأردن، وإيلاف السعودي من لندن، واليوم . ازدياد حصة الصحافة الإلكترونية من سوق الإعلان الإعلامية التي لم تكن تكاد 3 ، مع استمرار تدني هذه الحصة بالمقارنة مع وسائل الإعلام التقليدية 2010 تُذكَر قبل عام من جهة، ومع منصات الإعلام الرقمي الأخرى من جهة ثانية، وتحديدًا في ضوء ما باتت ، نما سوق الإعلانات 2017 تستقطبه شبكات التواصل الاجتماعي من حصة الإعلان. في عام % وبات يتجاوز التليفزيون، لكن أغلب هذه الإعلانات تذهب 17 الرقمية عالميّا بنحو إلى شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك، بينما تذهب نسب قليلة للصحافة الإلكترونية، وأصبحت الإعلاناتفي العالم الرقمي تستخدم البرمجيات وخوارزميات الذكاء الصناعي لحجز الإعلانات الرقمية آليّا، بدً من العملية التقليدية التي تقوم على طلبات تقديم العروض، والمفاوضات البشرية، وأوامر الإدراج اليدوي، الأمر الذي يجعل النموذج الاقتصادي للصحف الإلكترونية مفتوحًا على خيارات متناقضة بين الشعبوية والمهنية. . على الرغم من المكتسبات التي حققها التنظيم الرسمي للإعلام في العالم العربي، في 4 أجواء ثورات الربيع العربي، إلا أن المرحلة الثانية من هذه التحولات قد شهدت انتكاسات في أكثر من بلد عربي من خلال تشريع القواعد القانونية ذات الطابع الزجري التعسفي، والتي نالت بشكل مباشر الصحافة الإلكترونية والإعلام الرقمي بشكل عام، حدث ذلك في مصر والأردن وتونس واستثمرت الأنظمة السياسية ضعف مهنية الإعلام الإلكتروني وحالة الإرباك في المحتوى الذي يُقدّم على شبكة الإنترنتوانتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة لفرض المزيد من القيود تحديدًا على الصحافة الإلكترونية. لقد قادت التحولات السابقة إلى زيادة حضور الصحافة الإلكترونية في المشهد الإعلامي العربي وزاد الاعتماد عليها كمصدر رئيس للأخبار، وقد بدا ذلك واضحًا في الأحداث والتحولات العربية التي شهدت سنوات هذه المرحلة، هذه البيئة وفرت لأول مرة فرصًا لتشكل الأنوية الأولى لظهور صحف إلكترونية منافسة على المستوى الوطني لوسائل الإعلام

34

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter