انهار البرج.. انهار البرج!
توجهت بعدها فورا إلى سيارة البث، وبدأنا تغطية ما يحدث، في انتظار ساعة الصفر. رصدنا حالة القلق والتوتر التي بدت على وجوه من كانوا في المكان. وثقنا رفض ضابط المخابرات الإسرائيلي منح موظفي الجزيرة ووكالة الآسوشيتد برس عشر دقائق لأخذ ما تيسر من المعدات من المكتب. وما هي إلا لحظات حتى بدأت الطائرات الإسرائيلية تقصف برج الجلاء، فانهار على الهواء مباشرة، وانطلقت تلك الكلمات العفوية: انهار البرج، انهار البرج! كررتها خمس مرات دون وعي مني، وكأنها تواكب عملية الانهيار، حتى أصبح البرج الشاهق كومة من الركام. انهار البرج، لكن إرادتنا لم تنهر، وواصل الفريق عمله من الميدان، ومن الشارع، واستمرت تغطية الجزيرة كأن شيئا لم يكن، رغم خسارتنا لمكتب كان بمثابة البيت بالنسبة لنا، فيه أمضينا ساعات أكثر من تلك التي نمضيها بين أهلينا، ولنا فيه ذكريات كثيرة .
السائق يقود بنا بأقصىسرعة. فعلا، غادرا البرج وأخرجا الأغراض وعاد شقيقي إياد إلى «البدروم» لإخراج سيارتي. مئات الاتصالات تأتي دفعة واحدة من الأهل ومن الزملاء في غزة وفي الضفة وفي الدوحة. لم أستطع أن أرد على أحد حتى أنهي المهمة. ساعتها وصلنا إلى المكان. وجدت الناس قد خرجوا وتجمعوا على مسافة آمنة. توجهت فورا إلى البرج للاطمئنان على أخي. قابلته على درج البدروم وقلت له: ما الذي حدث، أين السيارة؟، قال لي لم تعمل، يبدو أن بطاريتها تعطلت، فأخذت منه المفاتيح وطلبت منه الخروج، فأبى إلا أن يرافقني. توجهنا نحو السيارة. حاولت أن أقوم بالتشغيل لكنها لم تعمل، وحاولت ثانية وثالثة دون فائدة، وأصبح الوقت يداهمنا والناس ينتظروننا في الخارج. تذكرت أن حارس البرج لديه بطارية احتياطية. بحثنا عن الحارس حتى وجدناه خارجا، وطلبت منه البطارية فقابلني بنظرات لا أستطيع وصفها. فعلا جئنا بالبطارية وعدنا إلى «البدروم». حاولنا تشغيل السيارة لكنها لم تعمل، فنزلت من خلف المقود وهممت بالخروج لكنني عدت وقلت لهم لآخر مرة سأحاول. فعلا حاولت فإذا به يعمل، وبأقصى سرعة غادرنا البدروم إلى خارج المكان الذي كان يمكن أن يكون قبرا جماعياً لنا.
167
166
Made with FlippingBook Online newsletter