مليار ونصف مليار قصة تستحق أن تروى
الحكومة هنا تبجل الاستقرار والنظام والرقابة أكثر من أي شي آخر، وترى فيها مفاتيح النمو والازدهار، ولكن «بنكهة صينية خالصة» يتجه الكثيرون للعمل في الصحافة لأنها مهنة لا تعرف الملل. ينطبق ذلك بحق على العمل الصحفي داخل الصين. أشعر بالفخر لأنني مراسلة للجزيرة في بلد المليار ونصف مليار نسمة، حيث ينسى الفرد وينصهر في بوتقة الجماعة، لكن الجزيرة تهتم بكل قصة وكل إنسان.
وهنا كثير من القضايا ذات الصلة بالسباق المحموم في عالم التكنولوجيا. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي يتولى مهمات شتى، بدءًا من تنظيف المكاتب والمباني، مروراً بخدمات التوصيل للفنادق، وانتهاءً بتعقيم محطات ومركبات النقل العام. لم أحمل محفظة أو أستخدم أوراقاً نقدية منذ سنوات، فالدفع يتم إلكترونياً في كل عمليات التسوق هنا. خلال سنوات معدودة، تحولت معظم المناطق المهجورة إلى مدن راقية تعج بالسكان. وتكافح الصين للتصدي لما يسمى «مشاكل العالم المتقدم» المتمثلة في تدني معدلات المواليد، وارتفاع معدلات البدانة بين المواطنين، إضافةً إلى الأمراض النفسية المرتبطة بساعات العمل الزائدة عن الحد. لا أنكر أنني حين قدمت إلى الصين لأول مرة أُصبت بعدوى الإيقاع السريع والطاقة المفرطة المتفشية هنا. في الوقت ذاته، ما زلت معجبة بروح الفضول، وحس الدعابة والإصرار الذي يتحلى به أغلب الناس. شعرت ساعتها أن هذا البلد على شفير الاحتراق أو الشلل التام. ولكن بات واضحاً ليّ الآن إلى أي اتجاه تسير الصين.
تواصل دبلوماسية «الذئب المحارب» بعناد شديد تكرار نفس الرسالة التي تود أن يقبلها العالم، وهي أن الصين قوية ولا يمكن الضغط عليها. يراقب قادة العالم عن كثب، بعضهم بإعجاب وآخرون بخشية وترقب. أشعر بالتحول يحصل في هذه المدينة، فأهلها فخورون بما أحرزوه من تقدم. بعضهم يتحدث بروح الوطنية والبعض الآخر يدافع عن النظام الذي أوصلهم إلى هذا الحد من القوة والازدهار. ويبقى فك رموز هذا النظام المعقد وشرح آلياته للعالم جزءًا لا يتجزأ من عملي اليوم في الجزيرة. يبدو الوضع مخيفاً بمختلف أشكاله؛ كاميرات المراقبة في كل مكان، تكميم لأفواه المعارضين، اعتقالات وسجون، وما خفي أعظم. انتهاكات متواصلة لحقوق الأفراد تحت مسمى «المصلحة العليا للشعب». والأبرز هو انعدام الثقة في مراسلي القنوات الأجنبية. تم اعتقال الكثير من الأجانب بذريعة التجسس، دون تقديم إثباتات. ولكن الصورة في الصين تنطوي على أكثر من ذلك، ونحن نسعى دون كلل لتقديم المشهد بكل تفاصيله. خلال تغطية قضية التغير المناخي والإجراءات التي تتخذها الصين لتقليل الانبعاثات الكربونية، سافرنا إلى بلدات تصل نسبة السيارات ، ولا تتجاوز قيمة بعض تلك 75% التي تعمل بالكهرباء فيها إلى نحو السيارات ثمن هاتف ذكي.
211
210
Made with FlippingBook Online newsletter