AJ 25th Book.

طريق العدالة الطويل

الشمس كانت على وشك المغيب على ما يعرف الآن باسم ميدان فلويد. جداريات وورود على الرصيف المقابل لمتجر كاب فودز، نفس الرصيف الذي لفظ فلويد فيه أنفاسه الأخيرة في شريط الفيديو الذي انتشر حول العالم. بعكس الصور التي كنا نراها قبل عام حين امتلأ الميدان بالمحتجين. سألت رجلا يجلس أمام محله عن رأيه في الحكم، بدا التأثر عليه، صمت قليلا ثم قال: «هناك سود في الولايات المتحدة حكم عليهم بأكثر من ذلك في تهم أقل. إنها خطوة أولى، لكن الطريق نحو تحقيق العدالة الكاملة مازال طويلا.»

بعد الجنازة، كان لا بد أن نزور نصبا أقيم تخليدا لفلويد في الحي الذي ترعرع فيه بمدينة هيوستن. جداريات مماثلة شيدت في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. هذا النصب كالذي أٌقيم في الموقع الذي قتل فيه فلويد في مينيابوليس تحول إلى محج للزوار. رأيت رجلا مسنا يراقب الوضع بهدوء، وفي خضم حديثي معه كشف أنه يتذكر فلويد عندما كان صغيراً. حسب قوله، وكيف كان يحاول أن يصبح مثالا يحتذي به للشباب الأصغر سنا ويقدم لهم النصح والمشورة. ومن مفارقات القدر أن فلويد لم يكن يعرف في حينها أنه سيتحول بالفعل إلى رمز ليس فقط لسكان هذا الحي بل للملايين حول العالم. أنهينا جولتنا في كاليفورنيا. في يونيو بعد عام بالضبط على ختام رحلتي مع زميلي وليام، وجدنا أنفسنا سويا من جديد في مينيابوليس المدينة التي قتل فيها فلويد، لتغطية قرار غير مسبوق من قاض 22 فيدرالي بحق رجل شرطة، فقد حكم على ديريك شوفين بالسجن عاما ونصف عام. وبعد مغادرة مقر المحكمة، قلت لوليام لا يمكن لرحلتنا هذه أن تكتمل دون أن نزور النصب الذي شيد في البقعة التي قتل فيها فلويد.

في الأيام القليلة التي قضيناها هناك، لاحظنا الفرق بين المشهد الاحتجاجي، ففي النهار تخرج تجمعات أصغر حجماً تنظم من قبل ناشطين في المجتمع المدني لتسلط الضوء على مظالم متعددة مثل الأعداد الهائلة للسود في السجون أو مشاكل من فقدوا عملهم من الأٌقليات في ظل جائحة كورونا. ما تعرض له جورج فلويد يخيم على جميع هذه التحركات. لكن روح مارتن لوثر كينغ حاضرة أيضا بقوة. فها هي ابنته بيرنيس تخطب أمام الجموع، داعية الشباب الناشط إلى الابتعاد عن العنف، ومواصلة الهتاف والغناء، وحتى الترتيل الذي يذكر بمواجع السود أيام العبودية، جاب المتظاهرون نفس الشوارع التي مر بها مارتن لوثر كينع ورفاقه. أتذكر أن رجلاً تحدثت إليه، قال إنه يشعر بأن الزمن عاد به أربعين عاما إلى الوراء. ومن هذه المسيرة واصلنا نحن أيضا سيرنا إلى محطتنا المقبلة مدينة دالاس ومن بعدها هيوستن، حيث ستقام جنازة فلويد. الاهتمام الإعلامي بالجنازة كان واسعا، ولم يقتصر على الإعلام المحلي بل الدولي أيضا. وخلال يومين تمركزنا مع عشرات الصحفيين في ساحة أمام الكنيسة التي تقام فيها مراسم الجنازة. الشمس كانت حارقة ودرجات الحرارة مرتفعة. ورغم متاعب العمل الميداني، خفف عنا مشهد الآلاف الذين وفدوا على مدار يومين إلى هذا الموقع لوداع فلويد وإلقاء النظرة الأخيرة عليه. أطفال وكبار. سود وبيض. منهم من يهتف ومنهم من يبكي وجعا.

281

280

Made with FlippingBook Online newsletter