سيمفونية الجزيرة
سيمفونية الجزيرة مراسل قناة الجزيرة الإنجليزية بغرب إفريقيا | نيكولاس حق
هذه المرة، تعرضنا نحن للذوبان بفعل الحرارة الشديدة التي لفحتنا بمجرد خروجنا من الطائرة. على امتداد البصر، لا نرى سوى هلال كبير من المياه والرمال، يتخلله ما يشبه آثار أقدام تؤدي إلى مركب كبير أحمر اللون، يختلف عن تلك المراكب التي اعتدت وأنا طفل صغير أن أتنزه بالقرب منها على طول كورنيش نهر السين في باريس. عندما اقتربنا، تبين لنا أن ما كان يشبه آثار أقدام النمل هو في الحقيقة طابور طويل من أشخاص كبار في السن فقدوا بصرهم بفعل الماء الأبيض. يقود هؤلاء المكفوفين أطفالٌ صغار ليساعدوهم في الوصول إلى المركب تحت أشعة الشمس. إن العيش لفترة طويلة تحت هذه الأشعة كفيل بأن يسبب الماء الأبيض أو ما يُعرف بعتامة العين، ويؤدي في أحيان كثيرة إلى فقدان البصر. لقد حُرم هؤلاء الأشخاص نعمة النظر إلى من يحبونهم أو حتى إلى أنفسهم في المرآة.
في شمال بنغلاديش، وعلى مياه نهر براهمابوترا، توجد سفينة صغيرة ، أبحر إيف من فرنسا إلى 1994 جلبها رجل فرنسي يُدعى إيف عام بنغلاديش على متن السفينة، وبقيت هناك إلى يومنا هذا. أطلق عليها اسم: سفينة الصداقة، بعد أن حولتها زوجته إلى مستشفى عائم يمكن للفقراء فيه إجراء عمليات جراحية لعلاج عتمة العين مجاناً. الجزيرة، ولأنها شبكة إعلامية كبيرة تهتم بالأخبار، قامت بتكليفي بالتوجه إلى هناك لإعداد قصة تلفزيونية عن هذه السفينة. اضطررنا إلى أن نستقل طائرة لنصل إلى المكان. وشاهدنا من الجو كيف تمتد آثار الطمي والرواسب بلونها الأحمر على طول نهر براهمابوترا، لتصل إلى موطن أجدادي. ورغم أنه لم يسبق لي زيارة هذا المكان، إلا أن جدي كان يعمل هنا مدرساً. هبطت بنا الطائرة على سطح مياه نهر براهمابوترا الذي ينبع من جبال الهيمالايا، ليتدفق عبر منطقة التبت الجنوبية مروراً بالهند ثم إلى بنغلاديش، قبل أن يصب في خليج البنغال، لمسافة ثلاثة آلاف كيلومتر. وخلال فترة الرياح الموسمية يفيض هذا النهر فيضانات كارثية.
311
310
Made with FlippingBook Online newsletter