AJ 25th Book.

آلام في المعتقل المتوحش: غوانتنامو!

كان الجوع يأكل أحشائي. وذات يوم كئيب تجمّع حولي طاقم المستشفى على نحو ما يفعل أطباء الطوارئ، وما هي إلا لحظات

آلامفي المعتقل المتوحش: غوانتنامو! مدير مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان | سامي الحاج

حتى أمسكوا بي فأحكموا القيود والأصفاد ثم انهمكوا في تقييد أطرافي الأربعة على نحوٍ لم أستطع معه الحركة، وبكل العنف والقسوة أدخلوا أنبوبًا مؤلمًا في أنفي؛ الأمر الذي أصابني بشيء من الاختناق والإغماء، ثم بدأ حلقي في الالتهاب وراحت آلامي تشتد في المريء والحنجرة.

نجحت في الإضراب عن الطعام شهرا وأنا بعدُ في العنبر. ولما انقضى الشهر وتأكدوا من أنني سأواصل إضرابي للشهر الثاني، نقلوني إلى المستشفى وحجزوني فيه. في المستشفى، وعلى غير ما كانت عليه الحال أيام الإهمال المتعمّد في العنبر، بدأوا أولاً بتغذيتي عن طريق الوريد؛ مما دفعني لمقاومتهم قدر ما تبقى في جسدي من طاقة، لكنهم كانوا يمسكون بذراعي ويغرزون الإبر على نحو مؤلم للغاية في عروقي. تلك الفترة كانت فترة الألم والأخطاء المتعمدة والاستهزاء والسخرية؛ غير أن كل ذلك لم يكن يزيدني إلا عزمًا وإصرارًا على الاستمرار في إضرابي. ثم قرروا، بعد فشلهم في استخدام غرز الإبر، تجربة الضغط النفسي لإجباري على أن أخضع لتغذية قسرية عبر الأنبوب، خاصة أن حالتي الصحية لم تكن تسمح بمزيد من التأخير المتعمد بحسب (الطبيب) المشرف على التعذيب. كانوا يقولون لي: إن أعزاء لك سيموتون وأنت ستموت جرّاء رفضك للطعام وحقن الوريد. كذلك كانوا يتفننون في خلق الأجواء المرعبة والمخيفة، وبالطبع التحدث معي على نحو مزعج وسيئ خال من أبسط قواعد الأدب واللياقة.

قرّرت الإضراب عن الطعام في وقت تزامن على نحو ما مع افتتاح المعسكر السادس في معتقل غوانتانامو. فقد كان حفظ الأيام والتواريخ في داخل العنابر والزنازين أمرًا بالغ الأهمية. لهذا بذلت جهدي، ما استطعت، في متابعته والحرص على تذكّره؛ مع أنه كان أمرًا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيً في بعض الأوقات، خاصة خلال الأيام التي كنت أُحبَس فيها داخل زنازين الحبس الانفرادي المظلمة. . في 2007 إضرابي عن الطعام صادف الأسبوع الأول من شهر يناير البدء أخذتُ في تقليل كمية الطعام، ثم قللت عدد الوجبات اليومية بتناول بعضها وردّ بعضها. وبعد ردّي تسع وجبات شملت الإفطار والغداء والعشاء أخلَوا الزنزانة التي عن يميني والأخرى التي عن يساري ليتأكدوا أن لا أحد يمرر لي خفية بعض أصناف الغذاء. وبعد ردي تسع وجبات أخرى دخل عليّ الضابط والطبيب وقالا: سنجري لك فحصاً لضغط الدم يوميا. وعندما كانا يجدان الضغط منخفضًا كانا يجبرانني على شرب قارورتين من الماء. كانا أحيانًا يقومان بقياس ضغط الدم ثلاث مرات في اليوم. في تلك الفترة التمهيدية كنت أتناول القليل جدّا من الطعام على فترات متقطعة، وداومت على ذلك لفترة من الوقت أُصبْتُ خلالها بإمساك حاد صحبته دمامل البواسير.

339

338

Made with FlippingBook Online newsletter