AJ 25th Book.

الجزيرة في عرسها الفضي

وسرعان ما لحق المصور العراقي حميد رشيد والي بالشهيد طارق أيوب. وبتفجر ثورات الربيع العربي في وجه الأنظمة الديكتاتورية، ازدادت قافلة شهداء الجزيرة عددا بأن انضم إليهم علي حسن الجابر ومحمد المسالمة وحسين عباس ومحمد القاسم ومهران الديري ومحمد الأصفر وزكريا إبراهيم ومبارك العبادي وإبراهيم عمر عليهم رحمات الله. ودارت الأيام وتناسلت الجزيرة وأنجبت جزرا أخرى بعضها بلغات غير العربية، ثم واكبت عصر التحول الرقمي وصارت حاضرة في العديد من المنصات التي جذبت الملايين ليتفاعلوا معها أخذا وعطاء. وينظر جيل مؤسسي الجزيرة إلى سجل إنجازاتها الحافل ويكاد بعيدها الماسي وليس الفضي، فقد 2021 يحسب أنها تحتفل في عام تغير المشهد الإعلامي العربي كلية منذ ظهور الجزيرة، إلى درجة أن المتضررين من مساحات الحرية والتعبير التي تتمتع بها، يمدحونها من حيث لا يدرون عندما ينسبون إليها- من باب الذم- صمود المقاومة الفلسطينية وإيناع زهرات الربيع العربي ابتداء من عام .2011 «سنة حلوة يا جميلة ومستحيلة».

، كان مندوبو وموفدو 2003 عندما بدأ الغزو الأمريكي للعراق عام الجزيرة موجودين في كل مدن العراق الكبرى، من البصرة جنوبا وحتى كركوك شمالا، وبذلك كانوا الطواقم الصحفية الوحيدة التي لا تثبت وقائع الحرب من المنظور الأمريكي وحده، مثلما كانت تفعل وسائل الإعلام الأخرى التي ارتضت أن ترافق طواقمها قوافل الجيش الأمريكي وتنقل فقط ما يقوله الناطقون باسمه. ولم يغفر الأمريكان ذلك للجزيرة، ففي الثامن من إبريل من ذلك العام، أصابت قذيفة شديدة الذكاء مكتب الجزيرة في بغداد، مما أسفر عن استشهاد الزميل طارق أيوب، ويكمن ذكاء القذيفة الفائق في كونها أصابت الهدف المنشود بدقة جراحية، فقد كان موقع المكتب معلوما لدى وزارة الدفاع الأمريكية وقيادة العمليات العسكرية في تلك الحرب لأن الجزيرة كانتقد زودتهم بإحداثياتدقيقة للمكتب، كي يبعدوه عن الأماكن المستهدفة (وليس لقصفه). وكان مكتب الجزيرة في لسيل 2001 العاصمة الأفغانية كابل قد تعرض في نوفمبر من عام نشرت صحيفة 2005 من القنابل الأمريكية. وفي نوفمبر من عام دايلي ميل البريطانية تفاصيل مذكرة سرية تم تسريبها من مكتب رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الزمان توني بلير، تفيد بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش اقترح قصف مباني قناة الجزيرة في الدوحة.

ممثلون للقنوات التلفزيونية الكبرى في العالم يرابطون داخل مباني قناة الجزيرة لينقلوا عنها تقاريرها مشفوعة بشعار القناة. وبعد أن كانت الدوائر السياسية والثقافية والإعلامية العالمية تصف الجزيرة في بادئ الأمر ب «سي إن إن» العالم العربي، اختفت تلك الصفة التي كانت ذما بما يشبه المدح بعد أن أثبتت الجزيرة أنها ذات تقاليد وأخلاق مهنية وأسلوب تحريري خاص بها. ولعل تغطية الجزيرة لمعارك «ثعلب الصحراء» هي التي أقنعت العالم الغربي بأن قناة جديدة وقوية العود المهني أثبتت أهليتها صار إرسال الجزيرة على 1999 وجدارتها في سوق الإعلام. في عام مدار الساعة بعد أن أصبحت رقما إعلاميا مهما، ثم جاءت أحداث عند تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك 2001 سبتمبر 11 وجانب من مبنى وزارة الدفاع الأمريكية، وبثت الجزيرة أدلة قطعية بالصوت والصورة مصدرها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بأن أعضاء في التنظيم نفذوا عمليات التفجير تلك. رغم أن جميع الوسائط الإعلامية في العالم، وعلى رأسها تلك الغربية كانت تستقبل بكل ترحاب وتعيد بث ما تبثه الجزيرة عن خلفيات تلك العمليات، إلا أن غلاة اليمين الأمريكي الذين كانوا متحكمين في مفاصل السلطة في واشنطن في عهد جورج بوش الابن، اعتبروا الجزيرة «مارقة» على بيت الطاعة الأمريكي. دفعوا الملايين لرصد الجزيرة وتحليل محتوى نشراتها الإخبارية وبرامجها الحوارية، لتكون مادة لشن حرب عليها بالتشكيك في صدقيتها، ثم اتخذت إدارة بوش من تلك التفجيرات ورفضت الجزيرة إلحاق صحفييها 2003 ذريعة لغزو العراق عام بالجيش الغازي لتغطية تلك الحرب، وأعلنتها صريحة أنها ستكون حيث تسقط القذائف وليس حيث تنطلق.

والمالي توفير كل وسائل الراحة النفسية والجسدية للعاملين، بل إن أعضاء مجلس الإدارة كانوا يرابطون داخل القناة لمعظم ساعات اليوم. وعليه، كانت كل مشكلة تعترض سير العمل تجد الحل الفوري، خاصة وأن الجميع كانوا يتطوعون للعمل خارج إطار توصيفاتهم الوظيفية. كان من المألوف أن يعمل أحدهم في مجال تدريب الصحفيين الجدد على إعداد التقارير الإخبارية، ثم ينتقل إلى البرامج الوثائقية أو الرياضية، بل كان بعض الصحفيين يعاونون الفريق الإداري في أمور كثيرة. كان ميسم تلك الفترة الترابط الاجتماعي الحميم بين أفراد أسرة الجزيرة، فرغم أن العمل كان مقسما بنظام المناوبات إلا أن الجميع كانوا يحضرون معظم ساعات اليوم في مبنى القناة. كانت الجزيرة أول مبادرة إعلامية تنطلق من نصف الكرة الجنوبي الذي ظل عالة على شبكات إعلامية مثل سي إن إن وبي بي سي، حتى إن كل ما عرفه العالم العربي عن الحرب المسماة عاصفة الصحراء )، والتي تصدرتها القوات الأمريكية ومعها قوات 1991-1990( رمزية من دول أخرى لتحرير الكويت من قبضة عراق صدام حسين، كان مصدره شبكة سي إن إن. جاء الفصل الثاني من تلك الحرب في بذريعة تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل 1998 أواخر عام بمسمى ثعلب الصحراء. كان للجزيرة وقتها مكتب في قلب بغداد يضم فرقا فنية وصحفية نقلت إلى العالم الخارجي تفاصيل العمليات الحربية لحظة بلحظة، وصارت بذلك مصدرا للأخبار والتقارير المتعلقة بالأوضاع في العراق خلال تلك الحرب. لقد كان هناك

63

62

Made with FlippingBook Online newsletter