AJ 25th Book.

تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان

قلت له إنني لا أستطيع نشر كلامه ما لم يكن مدعوما بالصور، وحاولت استفزازه بالقول إن هناك أنباء تشير إلى أن الحركة تقتل أسراها من الشيعة، فاستشاط غضبا، ونفى هذه التهمة قائلا بأن الشيعة هم من يقتلون الأسرى، وذكّرني بالمجزرة التي تعرض لها في ولاية مزار الشريف على أيدي 1997 أسرى من مقاتلي طالبان عام مقاتلي حزب الوحدة وتحالف الشمال، وكانت الأمم المتحدة قد وثقت تلك المجزرة في منطقة «دشتي ليلى» قرب الولاية. ويبدو أنني نجحت فعلا في استفزازه، فعند الظهر أحضر بنفسه إلى باب مكتبنا عددا من أسرى المعركة في شاحنة صغيرة، وقال لي إنه يمكنني زيارتهم متى شئت في سجن بولي تشرخي شرق كابل، وبعد أن التقطنا لهم بعض الصور، أضاف بأن طائرة مروحية ستقلع من مطار كابل العسكري إلى باميان بعد صلاة العصر، ويمكننا السفر على متنها إلى الولاية. كنت قد أجريت عملية جراحية في العمود الفقري قبل أسابيع قليلة، ولم يكن وضعي الصحي يسمح لي بالسفر، فكلفت أحد الزملاء المصورين بالسفر، وعاد في اليوم التالي بصور كثيرة، كان من بينها جثث كثيرة متجمدة لقتلى حزب الوحدة الذين حاولوا الانسحاب عن طريق التلال المحيطة بتماثيل بوذا الشهيرة، فعلقوا في الثلوج، وفارقوا الحياة بسبب التجمد. من بين الصور أيضا، مشاهد من زوايا مختلفة لتماثيل بوذا، ولم نكن نعرف في حينها أنها ستكون سبقا صحفيا نادرا، وأنها آخر الصور ، صدر 2001 لهذه التماثيل بحالتها الطبيعية، ففي الثاني من مارس قرار حركة طالبان بتدمير التماثيل، وزعم بعض المقربين من الحركة

تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان صحفي متخصص بالشأن الأفغانيفيشبكة الجزيرة الإعلامية | تيسير علوني

، عندما أغار مقاتلو 2001 محدودة، كانت آخرها في فبراير من عام الحزب بشكل مفاجئ على مواقع طالبان على ظهور البغال والخيل، بعد عملية التفاف من خلف الجبل الذي تقوم وسطه التماثيل، وهي منطقة صعبة مغطاة بطبقة سميكة من الثلوج، ولم يكن قادة طالبان يتوقعون أي هجوم من جهتها وتركوها دون حراسة، فأخذوا على حين غرة وانسحبوا بعد جولة قصيرة من القتال، تاركين وراءهم عددا من القتلى والجرحى. بعد بضعة أيام تمكنت حركة طالبان من استعادة المنطقة، وحاولنا الوصول إليها لتوثيق ما حصل بالصور، فاكتشفنا أن دون ذلك كثيرا من الصعوبات، فبالإضافة إلى قرار الحركة بحظر «تصوير ذوات الأرواح» عموما، تم اعتبار ولاية باميان منطقة عسكرية. في الصباح التالي لإعلان الحركة استعادة سيطرتها على باميان، زرت أحد نواب وزير الدفاع، وكان من غير المقتنعين بقرار الحركة بحظر التصوير ويلتزم به على مضض، وكان قد سهل لنا سابقا الوصول إلى بعض جبهات القتال لتصوير المعارك، وأجريت معه حديثا روى لي فيه بالتفصيل تطورات المعركة، وقال إن الحركة لم تتكبد خسائر تذكر، بينما تمكنت من قتل وأسر عدد كبير من مقاتلي حزب الوحدة.

في لقاء مع وزير الثقافة والإعلام في حكومة طالبان، قدرة الله جمال، أثناء عملية تدمير تماثيل بوذا العملاقة في منطقة باميان، سألت الوزير إن كان يتذكر الآية القرآنية التي تنهى عن شتم آلهة الآخرين لكيلا يسبوا الله: «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم» فقال: «ولكننا لم نشتم بوذا نحن دمرنا تماثيله»! دققت النظر في وجهه لأرى إن كان يمزح معي، فلم يبد على قسماته أي أثر لمزاح، ولم أستطع أن أمنع نفسي من الابتسام، قال إن «التماثيل ملك لأفغانستان، ولا يوجد بوذيون في البلاد، ولا نقبل أن يملي أحد علينا ما نفعله بها، وعندما تنشر منظمة الصحة العالمية أن مئات الأطفال الأفغان يموتون يوميا بسبب الحصار الدولي، وما يتبعه من نقص في الغذاء والدواء، لا أحد يبالي بنا، أما عندما نقرر تدمير بعض الأحجار فينبري العالم بأكمله للدفاع عنها، واضح أن الحجر أهم عندهم من أرواح أطفالنا». لا أحد يستطيع أن يحدد متى وكيف ولدت فكرة تدمير التماثيل البوذية، وقد حاولت التحقق من هذا الأمر فلم أصل إلى نتيجة ،1997 محددة، فولاية باميان كانت تخضع لسيطرة طالبان منذ عام وتمكن حزب الوحدة الشيعي من انتزاع السيطرة عليها لفترات

65

64

Made with FlippingBook Online newsletter